شعار قسم مدونات

موت سريري

blogs - شباب أبيض وأسود كئيب
مما لا يخفى على عاقل أن الواقع الذي نعيشه منذ بضع عقود مضت وحتى الآن واقع مأساوي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ومما لا شك فيه أن المسلمين مستهدفين بشكل رئيسي في دينهم وحياتهم بل وأفكارهم وتطلعاتهم حتى. وإن هذا الاستهداف في كثير من الأحيان يكون من منتسبيهِ أو ممن ادعوا انتسابه أو أُطلق عليهم صفته.

والشباب المسلم منذ انتهاء آخر خلافة إسلامية بل ومنذ تغيير موازين القوى في هذا العالم يتخبطون بين كثير من المعطيات والوقائع والأحداث التي أظن أنهم في بعضها معذورون وفي بعضها الآخر ملامون ومقصرون.

وبناء على ما سبق وجب على كل مسلم غيور على دينه أن يبحث في هذه الأسباب المؤدية إلى ضياع الأمة وأخص في ذلك ضياع شباب هذه الأمة، وعندما نقول شباب فإننا نقصد الجنسين ذكورا وإناثا. فها نحن نرى العديد من شباب أمتنا ينجرون وراء التشدد والغلو فيسيدون ويميدون باسم الدين والدين براء من كثير من أفعالهم وتصرفاتهم، فما هي الأسباب التي دفعت إلى هذا الغلو في الدين وجعلت من عقول ونفوس وأجساد هؤلاء الشباب لقمة سائغة في وجه المتعصبين والمتشددين؟!

نرى الكثير من الشباب يكون انحرافهم عكسيا؛ فتراهم ينشدهون بالحضارة الغربية بكل تفاصيلها ويتبعونهم في أتفه أمورهم، فهذا من ينادي بالعلمانية لا يعرف معناها، وذاك يريد التجديد في الطرح الديني فينسفه وينسف أساساته..

أول أسباب الغلو هو الجهل: فالجهل أساس كل مصيبة وداء الأمم ونقطة ضعفها والسبب الرئيسي للانجرار نحو الفساد الأخلاقي والفساد الديني، فالجهل في تاريخ أمتنا ورجالاتها من جهة والجهل العلمي والتقني والثقافي من جهة أخرى يجعلون من عقل الإنسان لقمة سائغة في وجه شذاذ الآفاق والعابثين في عقول الناس، فترى أنه يتم استغلال هذا الجهل واللعب على وتر العاطفة في تهييج الشباب وغسل عقولهم وحشوها بأفكار مشوهة ما أنزل الله بها من سلطان في ظل غياب أي محاولة من كثير من هؤلاء الشباب للبحث والاستفسار والدراسة والتشاور، بل يكفي أن يتبع ما قالوه ويسلم عقله ويسير كأنه عميت عيناه فتعمى بصيرته.

والسبب الثاني: عاطفة جياشة وردة فعل على ما يشهده المسلين من جور وظلم ولا ضير في ذلك إن كانت العاطفة محكومة بعقل فالانسان عقل وقلب وجب على أحدهما الاتفاق مع الآخر ووجب على الإنسان الموازنة بينهما، فلا عاطفة تشطح ولا عقل ينطح.

وكما أنه لكل فعل رد فعل، نرى الكثير من الشباب يكون انحرافهم عكسيا؛ فتراهم ينشدهون بالحضارة الغربية بكل تفاصيلها ويتبعونهم في أتفه أمورهم مصداقا لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه". فهذا من ينادي بالعلمانية لا يعرف معناها، وذاك يريد التجديد في الطرح الديني فينسفه وينسف أساساته، والآخر من رأى أن إسلامه كان فطريا موروثا دون علم فيتنصل منه بدل البحث فيه والتعمق في معانيه. أما من تراهم يبررون انحلالهم عن الإسلام بضربهم أمثلة كداعش والقاعدة على أنها ممثلة للإسلام متناسين أو غير مطلعين على تاريخ زاخر بالبطولات والفخر والعدل كتاريخنا الإسلامي.

وهنا أتساءل كيف يمكن تعميم هذه الفكرة على أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم بجريرة ثلة قليلة طبقوا الإسلام خطأ وفهموه خطأ، وإن كان الاسلام إرهابيا فلماذا لا نرى المسلمين في كل بقاع الأرض يفجرون أنفسهم ويقتلون ويرهبون من يخالفهم؟!

ويدور النقاش التالي: 
س: أما ما تم طرحه فهي المشكلة فما الحل؟
جـ: البحث والقراءة، تعلم التاريخ أو على الأقل الاطلاع عليه، فمن لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له، الغوص في القرآن وتعلم ما فيه والتبحر في تفسيره فهو دستور الحياة وطريق النجاة،  الصدق الصدق مع النفس ومع الآخرين في كل مجالات الحياة وأدقها، العدل ورفض الظلم عن النفس وعن الآخرين.

الواجب هو الدعوة في كل مكان، ليس فقط دعوة غير المسلمين إلى الإسلام بل دعوة المسلمين إلى العودة إلى دينهم والتمسك به ونبذ الخلاف والتفرق هي أشد ضرورة في واقعنا الحالي.

الاعتصام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كل فرد في المجتمع تجاه الآخر، فبهذا تصلح المجتمعات وترقى الأمم، أما بالابتعاد عن ذلك يعم الأمة التشرذم والعذاب قال تعالى "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (آل عمران)

س: على من تقع مسؤولية حفظ الشباب؟
جـ: تقع المسؤولية في الدرجة الأولى على الآباء والأمهات، وفي الدرجة الثانية على العلماء والعقلاء في هذه الأمة، فالواجب هو الدعوة في كل مكان، ليس فقط دعوة غير المسلمين إلى الإسلام بل دعوة المسلمين إلى العودة إلى دينهم والتمسك به ونبذ الخلاف والتفرق هي أشد ضرورة في واقعنا الحالي.

ومما لا اختلاف حوله أن الإسلام كامل لا ينقص بنقصان أفراده أو بأخطائهم ولكن هذا الدين يحتاج إلى سواعد فتية قوية تقوم على حمله ونشره ونصرته. إن جسد هذه الأمة بعد الخلافة العثمانية قد دخل في موت سريري حاول بعدها الكثيرون أن ينهضوا به لكن للأسف كانت جهودا ضعيفة لم تساندها الأمة ولم تجتمع عليها. إن كل شخص منا هو لبنة في بناء هذه الأمة كما شبهه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وإني لأرى أن الشباب هم العمود الفقري لهذا الجسد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.