شعار قسم مدونات

مطارحات في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقات

blogs - ممرات المعاقين
كنا قد بدأنا هذه السلسة من المطارحات حول قضايا ذوي الهمم ذوي الإعاقات بالحديث المقتضب عن إشكاليات التسميات المميزة لذوي الهمم عن غيرهم، وخلصنا من وجهة نظرنا المتواضعة إلى اعتبار هذا النوع من التسميات محاط بالكرامة الإنسانية لهؤلاء الأشخاص الذين اختراهم الله عز وجل بحكمته ومشيئته، ليكونوا مظهرا آخر من مظاهر قدرته وجمال وجلال خلقه.
كما قررنا أنه في غياب وعي مجتمعي بهذه المسألة نكون مضطرين مكرهين إلى استعمال لفظ "معاق" و"إعاقة" ومرادفتها، وذلك قصد التفاهم بشكل أوسع، خاصة وأن المجتمع بما في ذلك النخب المثقفة، تعودت على هذه التسميات، في أفق أن تكون هذه المطارحات أرضية تأسيسية لرؤية جديدة لقضايا ذوي الهمم تجاوز الرؤية المحاطة بكرامتهم، والمصادرة لحقوقهم.

نتابع الحديث في هذه المطارحة الثانية ونتحدث عن قضية إشكالية من قضايا الأشخاص ذوي الهمم وتتعلق بالولوجيات، وإذ أطرح هذه القضية للمطارحة فلست أقزمها وأحصرها -كما يفعل البعض- في مجال الولوج الحسي المادي المتداول وإن كان بدوره مهما، لكن غرضي أن تفهم قضية الولوجيات في بعدها الشمولي الواسع.

صادف كتابتي لهذه الأسطر تنظيم معرض جهوي للنشر والكتاب ببني ملال، وكوني طالب باحث أعد لبحث سلك الماستر، قمت بزيارة لهذا المعرض لأفاجأ بأن كل الممرات المؤدية لهذا المعرض يصعب بل يستحيل على شخص بكرسي متحرك أن يلج المعرض ويستفيد من خدماته… مشهد يتكرر في كل وقت وحين، طرق غير معبدة، ولوجيات منعدمة، وحتى إن وجدت فإما في حالة سيئة أو تكون دون الموصفات المطلوبة.

ولوج آخر يظل متعذرا في بلداننا المتخلفة ويرتبط بالأشخاص ذوي الإعاقات البصرية، حيث لا يزال هناك نقص مهول في الأماكن المخصص للحركة والتنقل بشكل سلس كما هو متعارف عليه في المجتمعات الحديثة

في الدول التي تحترم نفسها وتقدر كل شريحة من شرائح المجتمع، في مثل هذه الدول، أضحى الحديث عن الولوجيات وتيسير وصول الشخص في وضعية إعاقة إلى المرفق العمومي أمرا متجاوزا بل بسنوات عديدة، وانتقل الحديث في أوروبا مثلا من الولوج بمعناه الحسي؛ أي توفير طرق وممرات خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقات إلى الحديث عن الولوج المعنوي؛ أي كيف يصبح الإنسان المعاق شخصا داخل المجتمع عضوا فيه وكيانا من كياناته، وبالتالي تتجاوز جميع العقبات والإكراهات من أجل الاندماج والإدماج.

في الواقع المغربي المرير وهو واقع لا شك ينسحب على معظم المجتمعات العربية، تضل مشكلة الولوج إلى المرفق العام إشكالية تراوح مكانها ما بين النص القانوني المتأخر جدا في مرونته، وفي تفصيل آليات التنزيل، مما يجعله نصا هلاميا يدور في فلك الصورية والتجريد، وبين الواقع الذي تتحكم فيه عقليات بعيدة كل البعد عن الاهتمام بالشخص في وضعية الإعاقة ولا تكثرت لمصالحه ومستلزماته.

والإشكالية الأبرز تكمن في انعدام الولوجيات للمصالح الحساسة في المجتمع لدرجة أنني وقفت على مستشفيات عمومية ومستوصفات أحياء يصعب على إنسان في كامل قوته البدنية ولوجها، فكيف بشخص يعاني إعاقة حركية.

ولوج آخر يظل متعذرا في بلداننا المتخلفة ويرتبط بالأشخاص ذوي الإعاقات البصرية، حيث لا يزال هناك نقص مهول في الأماكن المخصص للحركة والتنقل بشكل سلس كما هو متعارف عليه في المجتمعات الحديثة، بالإضافة إلى غياب المناهج ووسائل المعرفة التي تتلاءم مع وضعيتهم، فلم نقف عند المكتبات التي توفر كتبا بخط برايل؛ زد على ذلك أن الشخص في وضعية إعاقة بصرية محروم من حقه في اجتياز الامتحانات والوظائف العامة دون مرافق.

قضية الولوج إلى الامتحانات والاختبارات بمرافق للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية والحركية في بعض الحالات، تطرح العديد من الإكراهات، خاصة مع الشروط الصارمة التي تشترطها الجهات المسؤولة في المرافق، وهو الأمر الذي يجعل من اجتياز هذه الامتحانات أمرا بالغ الصعوبة.

يبقى المعول في استحداث واستصدار قوانين تضمن الولوج إلى المرفق العمومي ككل بسهولة ويسر، والجهة الثانية تتجلى في تجاوز الصورية والجمود للنص القانوني لواقع العملية والتنزيل.

قضية الولوجيات قضية معقدة تتقاطع مع العديد من الأطراف ومن التبخيس للموضوع أن نقصر قضية الولوج على معدات لوجيستية تسهل الولوج للمرفق العام، ينبغي تغيير العقليات أولا، وذلك من أجل القبول بالأشخاص في وضعية إعاقة والاعتراف بحقهم في الحياة العامة مثلهم مثل غيرهم.

كما يبقى المعول على النص القانوني من جهتين، الجهة الأولى تتجلى في استحداث واستصدار قوانين تضمن الولوج إلى المرفق العمومي ككل بسهولة ويسر، والجهة الثانية تتجلى في تجاوز الصورية والجمود للنص القانوني لواقع العملية والتنزيل.

والمعول الأكبر قبل كل هذا وبعده؛ وعي وهمة وإرادة ذوي الهمم في تجاوز العقبات والإكراهات التي تكبل مسارهم وتحول دونهم ودون الرقي والتميز، في غياب الولوجيات نصنع بهممنا جسورا للوصول إلى أهدافنا والمطالبة بحقوقنا المهدورة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.