شعار قسم مدونات

حتى لا نقضي على الوقت

blogs ساعة

مع ازدحام الحياة ومشاغلها وكأننا في سباق معها نغلبها أحيانا وتغلبنا دائما، فيا حبذا ساعة من ليل كان أو نهار يخلو فيها الإنسان مع نفسه، حتى أنك تتمنى أحيانا زيادة عدد ساعات اليوم إلى أكثر من أربع وعشرين ساعة ولكن هيهات! فهل هناك أوقات فراغ! يكفي أن تنظر حولك لتجد الكثيرين ممن ضاعت أوقاتهم على جنبات الطريق أو على طاولات المقاهي يفعلون ذلك هروبا من فراغهم! ويتمادون في طلب المتعة والسرور تخفيفا للنفس من فراغها!

وهروبا من عزلتها وعجزا عن التعايش مع النفس منفردا فهل الوحدة والعزلة دائما مذمومة! في اعتقادي أن العزلة الإيجابية المنتجة هي التي تصنع الإبداع، فلابد من إعطاء الفرصة للمخيلة للتأمل لكي تتدفق الأفكار، فإن الحكمة تولد من الصمت، فالعقل الباطن لا ينشط إلا بالعصف الذهني والتفكير العميق حتى يخرج لنا الإبداعات.

كنت أصلح الساعات بين يدي، وعلى يميني تعمل آلة تشغيل الدروس الصوتية، وعلى يساري دفتر لأسجل فيه الفوائد والتعليقات المهمة! "الشيخ الألباني".

في حين أن العقل الظاهر دائما ما يتظاهر بالكسل والخمول وعدم الرغبة حتى في مجرد التفكير! وليس المقصود اعتزال الناس بالكلية ومقاطعتهم ولكن التنظيم في الوقت والتقليل من الانشغال الدائم الذي يهدر الكثير من الوقت ويضيع إنجاز المهام، وعدم الضعف أمام الملهيات والتقليل من المجاملات الاجتماعية وأقصد بها دعوات العشاء للمناسبات ففي الأخير أنت الخاسر الوحيد.

‏وأعظم قاعدة في استغلال الوقت هي "لا تَبقَ فارغا بلا عمل". وهذه القاعدة قررها القرآن بأحسن تعبير وأفصح بيان في قوله تعالى: ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) فلا أحد يستطيع إمساك الوقت عن أن يمضي، فلا تجعل الدنيا ضياع.

لن أقوم بإعطائك قائمة لبعض الأعمال التي يمكنك القيام بها؛ ولا أرغب بعمل جدول مقترح في كيفية تنظيم الوقت فأنا لا أحب هذه الأمور أبدا وفي الحقيقة أنني لم أمارسها يوما من الأيام، فمن المؤكد أن كل إنسان يعرف ما يحتاجه لنفسه وما ينقصها، ولكن دائما ما نحتاج لبعض التذكير والتحفيز، نسيت إخبارك شيئا مهما " افعل الشئ النافع الذي تحبه ".

والأشخاص يختلفون في قدراتهم فمنهم من يستفيد من وقته مع تواجد الناس حوله ويستطيع الإنجاز! ومنهم من لا يستطيع ذلك. فالشاعر كامل الشناوي كان في كثير من الأحيان ما يخرج مع أصدقائه ويجلس بينهم ويكتب قصائده أثناء حديثهم وعلى وقع أصواتهم وإذا صمتوا فجأة طالبهم بإكمال حديثهم وعدم الصمت لكي يكمل قصيدته!

وبعض الكتَّاب يستطيع الكتابة في الأماكن العامة ولكن لا يستطيع القراءة، فالنفس إذا توطنت على شئ لا يعجزها حالاتها المختلفة مهما تبدلت، حتى تتأقلم على أوضاعها وتواصل إبداعها فالمتنبي يقول:
وحالات الزمان عليك شتى.. وحالك واحد في كل حال

أعظم قاعدة في استغلال الوقت هي "لا تَبقَ فارغا بلا عمل". وهذه القاعدة قررها القرآن بأحسن تعبير وأفصح بيان في قوله تعالى: ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ).

ولكن هل الفراغ مساعد على الإبداع أم العكس! يقول الشيخ الألباني رحمه الله في حديثه عن نفسه وكيف استطاع إيجاد الوقت لطلب العلم وقد كان يعمل في إصلاح الساعات طوال ساعات النهار، لأنه مصدر رزقه الوحيد، فيقول متحدثا عن نفسه: كنت أصلح الساعات بين يدي وعلى يميني تعمل آلة تشغيل الدروس الصوتية وعلى يساري دفتر لأسجل فيه الفوائد والتعليقات المهمة!

فكيف حالنا مع كثرة التطبيقات في جهاز الجوال هذه الأيام وكيفية الاستفادة منها! فالشباب قوة لابد أن يمهد لها طريق الإبداع حتى تصبح فاعلة، والشاب إذا أعطي قيمته وتم احتوائه قام بإبراز شخصيته أمامك بشكل سيبهرك كثيرا.

فمن أراد الفائدة لن يعدم الوقت فهو من يبتكر ويبدع في أصعب الظروف وفي أضيق الأوقات، وحتى لا يصبح تبديد الوقت إدمانا لا نستطيع التخلص منه. فهل نحن ممن يقضي الوقت في ما ينفع، أو دائما ما نحاول القضاء عليه؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.