شعار قسم مدونات

تحرير رجال الدين من سلطان الساسة

blogs شيوخ

استوقفتني في أحد الكتب الاقتصادية كلمات تركت أثرا كبيرا في نفسي كانت الخيط الذي تشبثت به حتى وصلت إلى حال العلماء ورجال الدين، الحال الذي أصبح يرثى له بما يعانونه من استهداف وإفقار ومطاردة وحرمان وتكتيم، بل طمس إعلامي مؤدلج.

العنوان هنا طويل عريض يحتاج إلى الآلاف من الكلمات بل عشرات الكتب للتحدث عنه بكامل التفاصيل الدقيقة والعقد العنكبوتية المحبوكة مع بعضها، ولكن ما سنركز عليه هو أهم عقدة؛ الجانب الاقتصادي، وهو مربط الفرس لتبعية رجال الدين لرجال السياسة والحكام. والتحكم المطلق للسياسيين بالتوجه الديني والفتاوي الدينية والإرشادات والتعاليم والأخلاق.

الهدف الأساسي هنا هو تحرير الدين ورجال الدين من هيمنة الحكومات والسياسيين من خلال مصادر وعوائد مالية ورواتب ثابتة خارج هيمنة وتحكم الدول من خلال بناء عائدات المال من استثمارات ومصالح وأراضي زراعيه تعود بالمال لصالح الدين، وبناء والمحافظة على الدين مع بقاء الملكيات ثابتة لأصحابها ،لما يعانيه العالم حاليا من تشرذم الأديان واضمحلال للأخلاق والأعراف كله بسبب السياسة المالية العالمية التي أدت إلى انعدام التوجيه الأخلاقي الديني الذي يعاني من التبعية والعبودية للحكومات والدول ورجال السياسة المتحكمين بقوة رجال الدين ومصيرهم ومصير من يعولونهم.

إذا كان رجل الدين أو إمام المسجد عبارة عن موظف عند رجل الدولة ورجل السياسة؛ فهو معدوم الإرادة لا يستطيع عمل إلا ما يمليه عليه مديره ولا يستطيع قول إلا بما يتوافق مع ما يراه المسؤول عنه، وإلا سوف يتم تغييره بموظف آخر وكذلك لمفتي الدول وغيرهم من مراكز وأعمدة الأخلاق والدين، فلا يوجد شخص مهما كان دينه ونسبة تدينه سيضحي بقوته وقوت أولاده مقابل قول كلمة حق أو عمل ما يخالف توجه المسؤولين عنه.

إنه لأمر محزن أن نرى العلماء هم الفقراء ورجال الدين هم المساكين وأئمة المساجد مغيبون عن الدور العام في المجتمع ومهضومين إعلاميا وثقافيا، بينما نجد الفنانين والمغنيين هم الأغنياء وكل الامتيازات موهوبة لهم.

من هنا اضمحل دور العلماء ورجال الدين في توجيه وإرشاد المجتمعات فالعصى التي كانت توجه الوعي العام المجتمعي أصبحت هزيلة بيد رجال السياسة الذين لا يعرفون معنى دين أو أخلاق.
ولم نعد نسمع إلا أصواتا قليلة من عالم هناك أو إمام مسجد هناك من استطاعوا أن يبنوا لأنفسهم عائدات مالية تقيهم تسلط رجال السياسة على قوتهم ومصادر دخلهم.

تحرير الدين من رجال السياسة يكون بتحرير رجال الدين ماليا واقتصاديا من رواتب وعطاءات الحكام ورجال السياسة، ولا يكون ذلك إلا بإيجاد المصالح والاسثتمارات الخاصة كالمصانع والمعامل والأراضي الزراعية الموقفة من الصدقات الجارية لصالح الدين ورجال الدين والمساجد ودور العبادة.
وهذا أحد خيوط العناكب التي حاكت شباكها بالدين الإسلامي للإجهاض عليه ضمن سياسات النظام الاقتصادي العالمي.

إنه لأمر محزن في القرن الواحد والعشرين أن نرى العلماء هم الفقراء ورجال الدين هم المساكين وأئمة المساجد مغيبون عن الدور العام في المجتمع ومهضومين إعلاميا وثقافيا، بينما نجد الفنانين والمغنيين هم الأغنياء وكل الامتيازات موهوبة لهم وكاميرات الإعلام مسلطة عليهم، بل إن الفنانين والراقصات أصبحن من يقدن الوعي العام والثقافة المجتمعية.

نصيحة رمضانيه لرجال الأعمال والمستثمرين؛ بالتوجه للاستثمار في الدين وخلق مصانع ومراكز تشغيل وإنتاج بعوائد مالية ثابتة لرجال الدين تطعم أولادهم وتحرر إرادتهم وتعلي أصواتهم، فالاستثمار واحد والربح نفسه، ولكن الآخرة تختلف عن الدنيا.

قد يستغرب البعض كيف انقلب الوضع رأسا على عقب، وقد يتساءل البعض لماذا العلماء محاربون ومطاردون في المطارات والموانئ ومطلوبون أمنيا ولا أحد يرحب بهم في أي دولة، بينما الفنانات والمغنيات تفرش لهن السجادات الحمراء في المطارات وتجهز لهن الطائرات الخاصة، فلعلنا نستذكر المثل القائل: كأس وغانية يعمل بالمسلمين ما لم يعمله ألف مدفع.

أو لنتساءل في شهر رمضان لماذا كل هذه الملايين من الدولارات تصرف على البرامج التافهة غير الهادفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتي تساهم في خواء العقل وتبليد الفكر، لماذا نرى مئات الآلاف من الدولارات التي تهب لممثل جراء مقلب مدبلج؛ بدلا من ذلك تهب لعالم أو لإمام مسجد يساهم في بناء مجتمع في صون أسرة في الحفاظ على عادة اجتماعيه أو نشر فضيلة أخلاقية.
الجواب لسؤلنا هذا خط أحمر ومحرم خصوصا في شهر رمضان، وقد يؤدي بسائله إلى التحقيقات وإلى السجن المؤبد.

نصيحة رمضانيه لرجال الأعمال والمستثمرين؛ بالتوجه للاستثمار في الدين وخلق مصانع ومراكز تشغيل وإنتاج بعوائد مالية ثابتة لرجال الدين تطعم أولادهم وتحرر إرادتهم وتعلي أصواتهم، فالاستثمار واحد والربح نفسه، ولكن الآخرة تختلف عن الدنيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.