شعار قسم مدونات

القطيعة الإبستمولوجية والسياق الإسلامي

blogs المسجد

اضطرت كثير من النخب العربية في الحقبة الأخيرة إلى تكتيكات "اختراقية" لتجاوز المشاكل "التسويقية" التي يعاني منها خطابها المسمى بالعربي على تشعب خريطته واختلاف أهله أكثر من اتفاقهم تكتيكات تجسدها أسماء أشهرها الأزهري المسمى سيد طنطاوي وليس أقلها شهرة حسن حنفي الاسلامي اليساري !..

إن المشكلة "التسويقية" استدعت تكتيكات مختلفة من مثل التأويلات الفيلولوجية والإستشراقية للنص إلي المناهج الفلسفية التأويلية والهرمنيوطيقية التفسيرية إلى الظهور بمظهر إسلامي في نهاية المطاف.. إن السبب في التنقل بين هذه المناهج والتجارب لا يعود إلى ما أسموه بـ "الممانعة الإسلامية" فحسب والتي هي تجسيد لحفظ هذا الدين الخاتم بما فيه حفظ طرائق فهم النص الديني القرآني والنبوي والمجال المتداخل معهما.. وإنما أيضا إلى الخلل العلمي في التسوية بين السياقين الحضاريين والاجتماعيين الغربي والإسلامي الذين جربت فيهما نظرية القطيعة المعرفية "الإبستمولوجية" مع الماضي ببناه الفوقية "المعرفية" بمستوياتها المختلفة وخصوصا "الديني".

الملابسات والظروف الموضوعية التي أدت بالغرب إلى التنكر للدين المسيحي وإلى تعميم النتائج المتولدة من الصراع بين الدين المسيحي والحركة العلمية بما فيها من حق موضوعي وتاريخي على الدين كله هي ملابسات الدين الإسلامي بريء.

مركزية الغرب الحضارية والمعرفية التي سوقت لها الحقبة الإمبريالية ومقدمات الاستتباع "الإستعمار" موضوع كتاب غريغور منصور مرشو بالعنوان السالف الذكر تركت أثرها في البنية التصورية والتصورات المفهومية والعلمية للنخب العربية التي أنشأتها الإمبريالية على عينها في حقبة الاحتلال العسكري المباشر "الاستعمار" "المغلوب مولع بتقليد الغالب" مقولة لأبي الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون تجسدت في الحقبة الأخيرة من تاريخ الأمة البادئة من الحملة الفرنسية على مصر إلى تسلم النخب المتعلمة في المدارس والكليات الإفرنجية والمتشبعة بالثقافة الغربية للسلطة في حقبة الدولة الوطنية القطرية تجسدت أكثر ما تجسدت في الاعتقاد الأعمى لهذه النخب بأن القطيعة مع الماضي التي طبقها الغرب مع ماضيه القروسطي لا بد أن يطبقها العرب كشرط للنهضة الحضارية العربية والتخلص من التخلف والجمود والهزيمة العسكرية والثقافية بما أن الغرب لم يتقدم إلا عندما انقطع عن ماضيه الديني المسيحي..

إن الملابسات والظروف الموضوعية التي أدت بالغرب إلى التنكر للدين المسيحي وإلى تعميم النتائج المتولدة من الصراع بين الدين المسيحي والحركة العلمية بما فيها من حق موضوعي وتاريخي على الدين كله هي ملابسات الدين الإسلامي بريء منها بالجملة فلم يعرف في تاريخ الإسلام وقوف السلطة ضد البحث العلمي ولا الكشف التجريبي، بل إن الفرآن نفسه يتضمن الإشارة إلى المنهج التجريبي.

ولم يعرف عن الفقهاء في عصور الازدهار تحريم البحث العلمي بل إن مسألة كروية الأرض الشهيرة كموضوع للصراع بين محاكم التفتيش والحركة العلمية والتي أحرق بسببها برونو حيا وهدد جاليليو بالموت حتى تراجع، قد حكى بن حزم الفقيه الأندلسي إجماع فقهاء المسلمين عليها وناقش بن تيمية الموصوف بصاحب "المزاج الحنبلي" على حد تعبير المفكر الشنقيطي قد ناقش الأقوال فيها في كتابه الفتاوى ولم يكفر القائلين بها ولا شنع عليهم وهذا بعض كلامه "6- أما اعتراضهم بأن العالم كرة، وأن الله إذا كان في جهة فوق لكان أسفل بالنسبة لسكان الوجه الآخر. فشيخ الإسلام لا ينازع في استدارة الفلك – كما قد ينازع فيه بعض الجهال".

إذن القطيعة المعرفية مع الماضي الإسلامي بما فيه الدين هي نبتة استنبتت في غير الأرض الصالحة لها "وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ". القطيعة حل صالح للغرب في سياقه التاريخي وملابساته التي مر بها لكننا في غنى عنها بل هي غير نافعة لنا من الأساس، وكما قال المفكر السابق "الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا أبدا."

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.