شعار قسم مدونات

الزلزال الخليجي.. التداعيات والتوابع

blogs - مجلس التعاون الخليجي
لم يكن الخامس من يونيو مجرد تاريخ لذكرى نكسة 67، بل جدد مآسي العرب والمسلمين، ففي ظل الانقسام الواقع بين الدول العربية واختلافهم حول قضايا إقليمية (قضية فلسطين) تجدد هذا الانقسام وازدادت رقعته داخل إخوة البيت الواحد (دول مجلس التعاون) والذي كان آخر صور التجمعات أو التكتلات العربية الذي بقي على قيد الحياة بعد انهيار مجلس التعاون العربي عقب غزو الكويت، وانهيار الاتحاد المغاربي الذي لم يسمع له صوتا.

ففي صباح الخامس من يونيو استيقظ العالم العربي على زلزال ضرب قطر، وأصابت توابعه العالم العربي، حيث فوجئ العالم العربي لأول مرة أن العرب تجتمع على قرار، وهو قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق المنافذ البرية والجوية من قبل السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، وإعطاء مهلة لمواطني الثلاث الأول لمغادرة قطر، والحال بالمثل لمواطني دولة قطر في تلك الدول، القرار كان بمثابة الصدمة، حيث إنه من المعتاد في الأعراف الديبلوماسية في حالة الخلاف بين الدول أن يتم قطع العلاقات الدبلوماسية عبر مراحل، منها استدعاء السفراء، ثم يتبعه التهديد بسحب السفراء، ثم سحب السفراء فعليا، وطرد سفراء الدولة الأخرى، ثم قطع العلاقات الدبلوماسية، لكن في حالة قطر تم وللمرة الأولى اختصار هذه الخطوات في خطوة واحدة، وتجاوز الأعراف الدبلوماسية.

ففي 1990 عقب غزو العراق للكويت لم يتم التعامل مع العراق كدولة ذات سيادة بهذه الطريقة، رغم أن الحدث يستدعي ذلك، نظرا لعظم جرمه، لكن لم يتم ذلك، كذلك الحال في الحالة السورية بعد توسع النظام السوري في القمع تجاه الثورة السورية، والتي شمل القمع لاحقا الأهالي العزل، لكن بقيت علاقات بعض الدول كما هي، الإمارات نموذجا حيث توجد أسرة الأسد، ومصر أيضا أعادت العلاقات بعد أن قطعها محمد مرسي قبل الانقلاب عليه.
 

الدولة الوحيدة التي تعتبر حماس إرهابية إسرائيل؛ فهل الدول الأربع تعطي شرعية لإسرائيل على حساب حماس المقاومة، وكيف تستقبل مصر قادة حركتها وتتفاوض معهم على الرغم من كونهم إرهابيين.

لا تستطيع الوقوف على سبب واضح في هذه القطيعة تجاه قطر، قبل القرار المشؤوم بأيام معدودات أذاعت بعض القنوات الممولة سعوديا وإماراتيا في وقت متأخر من الليل كلاما منسوبا للشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر خلال الاحتفال بتخريج دفعه من منسوبي القوات المسلحة القطرية، ورد على موقع وكالة الأنباء القطرية، ورد المسؤولون في قطر بأن الموقع تعرض لاختراق، فضلا عن ذلك أن أمير قطر لم يلقي خطابا في ذلك اليوم (مما يكشف النوايا المبيتة من الأساس تجاه قطر) وظلت القنوات تلك تذيع الكلام المنسوب لأمير قطر على الرغم من النفي ولأكثر من مرة.

ولم تنشر تلك القنوات وصحف تلك الدول خبر النفي بل زادت في غيها، ولم تتصل بمسؤول قطري واحد لاستيضاح الأمر، وفي صباح اليوم التالي شاركت الصحف السعودية والإماراتية بوصلة ردح أخرى تجاه قطر فاقت الإعلام المصري وتجاوزت هذه المرة كل الأعراف والتقاليد الصحفية والعربية القبلية التي يتمتع بها أهل الخليج، حيث وصل الأمر للتشهير بالأعراض والتنابز بالعصبية القبلية على الرغم من ذلك لم تنزلق قطر لهذا المستوى.
 
التهم كما أسلفنا كانت معده سلفا والضيوف في تلك القنوات كانوا معدين سلفا، ولا توجد تهمة بعينها إلا أن ما طفح على الإعلام ما يلي العلاقة مع إيران، وقد اكتشفت هذه الدول فجأة وبين عشية وضحاها أن قطر لها علاقة مع إيران باعتبار أنهم هم لا تربطهم علاقة مطلقة بإيران، ولا أن إحدى هذه الدول لها أراضي سيادية تقع تحت السيادة الإيرانية.

أضف إلى ذلك أن الإمارات هي من أكبر الدول الخليجية التي لها استثمارات مع إيران، ولم تحظ إيران بمقاطعة عقب احتلالها لتلك الجزر بقدر ما حظيت قطر على علاقتها مع إيران، وتهم دعم وتمويل حماس، ومعلوم سلفا للعالم ودون مواربة أن قيادات حماس موجودة في قطر، وأن قطر وبعلم العالم استقبلت الأسرى المبعدين في صفقة تبادل الأسرى، أضف إلى ذلك لا يوجد إجماع عالمي بأن حماس حركة إرهابية، فكيف صنفتها الدول الأربع حركة إرهابية على الرغم من أن حماس ليس لها حدود مع تلك الدول حتى تهددها.

الأمر تجاوز الحد بأن صدر قرار من النائب العام الإماراتي بالعقوبة 15 عاما على من يظهر تعاطفا مع قطر وغرامات مالية. وفي السعودية كذلك لمن يظهر قناة الجزيرة في الفنادق وسحب تراخيص قناة بين سبورت.

الدولة الوحيدة التي تعتبر حماس إرهابية إسرائيل؛ فهل الدول الأربع تعطي شرعية لإسرائيل على حساب حماس المقاومة، وكيف تستقبل مصر قادة حركتها وتتفاوض معهم على الرغم من كونهم إرهابيين، ثم تلا بعد ذلك قائمة مكونة من 59 شخصا، وصنفتهم تلك الدول الأربع بالإرهابيين، منهم من هو سجين في سجون مصر، فكثير من هؤلاء غير مقيم في قطر أساسا، لكنه التخبط في اتخاذ القرارات،
فضلا عن ذلك جمعيات خيرية قطرية تعمل في العلن وبالتعاون مع منظمات عالمية كالأمم المتحدة صنفت على أنها إرهابية. فقطر تعتبر شريكا في الحرب على تنظيم الدولة وحليفا في الحرب على الحوثيين.
 
إن الحصار الذي فرض على قطر ليس له نظير في التاريخ العربي والإسلامي، إلا على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في شعب أبي طالب، ولم يحدث ضد أي دولة في العالم بهذه الفظاظة.. إسرائيل الدولة المحتلة لم تتخذ أي دولة من الدول الأربع أي إجراء معها، بل منافذ مصر السياحية مفتوحة لهم ودون تأشيرة دخول، خاصة في المناطق السياحية في جنوب سيناء.

في عام 1978 قاطعت الدول العربية والإسلامية مصر لإقرارها معاهدة السلام مع إسرائيل كونها دولة محتلة، وفي 2017 وبين عشية وضحاها قوطعت قطر كونها تدعم حركة حماس التي تقاوم إسرائيل، وكونها لا تقبل الوصاية من أحد عليها، خاصة السعودية، وكونها أن قرارتها السياسية نابعة منها وليس كونها تتلقى إملاءات.
 

ومما زاد الطين بلة؛ دخول العلماء على الخط، فبدلا من التزامهم الصمت على الأقل، وهو ليس مطلوب منهم في نازلة مثل هذه، لكن أضعف الإيمان لو التزموا لكان خيرا لهم، ولكن خرج علينا مفتي المملكة ممثلة الإسلام السني، ليقول إن القرارات الأخيرة المتخذة بحق قطر مبنية على الحكمة البصيرة، وفيها فائدة للجميع لإخواننا القطريين قبل غيرهم، في المقابل يدعو وزير خارجية أمريكا تيلرسون إلى رفع الحصار عن قطر خاصة في شهر رمضان.

الدولة الوحيدة التي تعتبر حماس إرهابية إسرائيل؛ فهل الدول الأربع تعطي شرعية لإسرائيل على حساب حماس المقاومة، وكيف تستقبل مصر قادة حركتها وتتفاوض معهم على الرغم من كونهم إرهابيين.

الأمر تجاوز الحد بأن صدر قرار من النائب العام الإماراتي بالعقوبة 15 عاما على من يظهر تعاطفا مع قطر وغرامات مالية. وفي السعودية كذلك لمن يظهر قناة الجزيرة في الفنادق وسحب تراخيص قناة بين سبورت.

لكن الجرح العميق والغادر لن يندمل بسهولة، خاصة أنه فاق الجوانب الإنسانية فضلا عن النخوة العربية، فالأسر تشتتت وتقطعت أوصالها بسبب هذه القرارات الأخيرة التي لم تراع إلاّ ولا ذمة، كون أبناء الخليج تربطهم علاقات مصاهرة ونسب..

بذلك يكون قد أعلن وفاة ما يسمى مجلس التعاون الخليجي إكلينكيا ولا ينتظر إلا إعلان الوفاة رسميا وصلاة الجنازة، فلا قرار ولا موقف اتخذ من المجلس، فضلا عن خالدة الذكر الجامعة العربية التي وجودها والعدم سواء، بل إن شئت قل إن عدمها أفضل، فلم تتخذ أي قرار سيادي منذ نشأتها حتى اللحظة ولو من باب ذر الرماد في العيون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.