شعار قسم مدونات

ليميز الله الخبيث من الطيب

blogs - العزف الخليجي

يعاني قطاع غزة حصاراً مفروضاً منذ 11عاماً مضت، ومازالت المعاناة مستمرة، ومازال الحصار يزداد خنقاً وضراوة وقسوة. 11 عاماً كاملة تعددت فيها الأيادي المحاصرة للقطاع وأهله، كما وتنوعت مجالات الحصار المؤلمة والموجعة والقاتلة.

و خلال تلك الفترة الطويلة وقعت غزة تحت 3حروب دامية، كان الهدف منها تركيع القطاع، وبالتزامن مع تلك الأعوام شهدت بعض الدول العربية ثورات سميت بـــ "الربيع العربي" الذي كان من مخرجاته وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، الأمر الذي فاجأ الغرب وأحدث ضجة لدى موازينهم فعملوا على إفشال تلك الثورات وإدحاضها وتغيير نتائجها من خلال مؤامراتهم وكيديهم والضحك على الشباب رمز الثورات ووقود نجاحها وسرقة حبهم لأوطانهم .

وبذلك تحول الربيع إلى مأساة دموية مازالت مستمرة فصولها بأعنف ما تكون، بدءاً من تونس وليبيا ومصر مروراً بسوريا التي أُكلت تحت مسمى الطائفية، وأصبحت مرتعاً لجنود روسيا كميدان مفتوح لتدريب القوات الروسية على دُميً بشرية سورية، دون الغفلة عن داعش التي تبنت الفكر الإسلامي من أجل كسر شوكة الإسلام وإظهار المسلمين بصورة دموية وغوغائية وبلطجية بعكس الحقيقة.

بدأت كل دولة باعت ضميرها ومقدرات شعبها بالضغط على قطر، ومحاصرتها اقتصادياً من خلال منع حركة الصادرات والواردات ووقف حركة الطيران منها وإليها.

تلك العوامل الثلاث – الطائفية والعسكرية الروسية وداعش – جعلت من سوريا خرابا، لا يغادرها الموت، ومن بعد سوريا كان لدولة اليمن نصيب لا بأس به من الفتنة، وبذلك رخص الدم الإنساني، وكثرت الجثث وزاد رصيد الغرب واحتفلت أمريكا بنجاح خطتها في الشرق الأوسط، واطمأنت إسرائيل على المنطقة.

و عودة إلى حصار قطاع غزة واستمرارية تلك السنين العجاف الملأى بالمؤامرات والمكائد التي لم تقتصر على غزة بذاتها بل طالت كل من حركته نخوته لمساعدة أهالي القطاع سواءً في إعادة الإعمار أو بتسهيل عملية توفير الكهرباء والوقود، أو بالمشاركة في وساطات من أجل إنجاح عملية المصالحة المتعثرة منذ وقت لا بأس به.

كان لدولة قطر الشقيقة نصيب الأسد من تلك المؤامرات بحجة دعم الإرهاب المتمثل في حركة حماس – حسب زعم الإرهابيين أنفسهم – التي تدير قطاع غزة منذ عام 2007 بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، وبدأت الحرب الاقتصادية بحلف أمريكي صهيوني عربي حيث انطلقت إشارة البدء من زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط، وبدء زيارته بالسعودية ماراً من بعد ذلك بالكيان الصهيوني وعودته إلى بلادته مطلقاً تغريدة تهكمية عبر حسابه على توتير متحدثاً فيها لشعبه يقول فيها: "عدت لكم بملايين ملايين الدولارات، وهذا يعني وظائف وظائف".

وبذلك اتفق العرب الذين من النادر جداً أن تشهد اتفاقاً لهم، اتفقوا على مضرة شقيقتهم العربية قطر، اتفقوا على أذى، اتفقوا على سوء للأسف.  وبدأت كل دولة باعت ضميرها ومقدرات شعبها بالضغط على قطر ومحاصرتها اقتصادياً من خلال منع حركة الصادرات والواردات ووقف حركة الطيران من وإلى، وكذلك مطالبة الرعايا القطريين المتواجدين لدى تلك الدول المتآمرة مطالبتهم بمغادرة البلاد وإغلاق مكاتب قناة الجزيرة القطرية في تلك الدول وهلمّ جرا.

تحول الربيع إلى مأساة دموية مازالت مستمرة فصولها بأعنف ما تكون، بدءاً من تونس وليبيا ومصر، مروراً بسوريا التي أُكلت تحت مسمى الطائفية، وأصبحت مرتعاً لجنود روسيا.

انكشفت الأقنعة المتصدعة أصلاً وبرزت صورة الذئب على حقيقته، وظهر الخبيث للعلن في تفسير واضح للآية القرآنية الكريمة "لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ". وعلى الصعيد الآخر فكما تشكّل حلف السوء إلا أن الخير متجذر والسوء محدود وسطحي بفضل الله والمواقف تثبت الرجال الحقيقيين حيث بادرت دولة تركيا برئيسها رجب طيب أردوغان بسد حاجة السوق القطري من المواد الغذائية التي تم وقف توريدها، كما ووافق البرلمان التركي على إرسال جنوده إليها وقد تم الإرسال فعلياً.

وطالب الرئيس التركي بشكل واضح وقف وإنهاء الأزمة القطرية فوراً، وليس العمل على حلها كما ترنم بعض الزعماء. لم تكن تركيا هي الدولة الوحيدة صاحبة بصمة الأخوة والإغاثة، فالكويت والمغرب والجزائر وبعض الدول الأوروبية شاركت في إحداث انفراجة في الأزمة القطرية.

وبالرغم من صعوبة الوضع الذي تمر به الشقيقة قطر إلا أن الأزمة تحمل في باطنها إيجابية لها لقوله تعالي "لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى" وكذلك قوله تعالى "إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ" وشتان بين ألم ناتج عن موقف رجولي مشرف، وألم ناتج عن انحطاط وطمع وجشع وذل للغير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.