لنحاول بكد التقليل منها، والأهم أن نعمل على وعينا الجماعي فنصير مثل بقية الشعوب المتحضرة، تثور ضد كل شيء يعاكس مصلحتها، وتقف وقفة رجل واحد ضد كل المفسدين، لا كشعوب ألفت الذل والهوان ورضيت بالخنوع. |
أجزم قطعا أن الذي سيفعل هو نحن، أي نعم نحن ولا أحد سوانا، وصدقني إن قلت لك، أننا سنفقد ما تبقى من كرامتنا ونحن نحاول بغباء نقد الوضع بكلمات خرساء لا تسمع ولا تفهم، ننتقد كل شيء وأي شيء لنرضي غرورنا وفقط، فيما الأجدر هو أن نبدأ من أنفسنا منطلقين نحو العالم من حولنا، فجوهر الإنسان لا يمكن اكتشافه إلا بواسطة الإنسان نفسه، وإلا فما نفع اللجوء إلى الغير من أجل تغيير الواقع وتذوق حلاوة الحياة المشتهاة بمساعدته، طالما أننا لا نستطيع أن نفعل لوحدنا، كيف سيتغير واقعنا ونحن الشيء الوحيد فيه المشوه، والذي يحتاج وباستعجال إلى عمليات تقويم معقدة، لندع الناس تفعل ما تريد، لندع مثلا قنوات الصرف الصحي تعرض ما تراه مناسبا لنا، ولنشاهد ما نراه نحن مناسبا، ففعل المشاهدة لا يُفرض، لندع التفاهة والانحطاط ولنشغل أنفسنا بما ينفعنا، ولنتعلم أن نرقى من دون جلبة، في النهاية لا بد أن ينتظم كل شيء من جديد.
ولا أقول هنا أن نترك العالم وشأنه ونستقل من الوجود، فلن يستقيم الحال هكذا، ولكن أقول عوض أن نساهم في نشر الميوعة والانحطاط، لنحاول بكد التقليل منها، والأهم أن نعمل على وعينا الجماعي فنصير مثل بقية الشعوب المتحضرة، تثور ضد كل شيء يعاكس مصلحتها، وتقف وقفة رجل واحد ضد كل المفسدين، لا كشعوب ألفت الذل والهوان ورضيت بالخنوع، فنحن من يصنع الطغاة، نحن من يمدهم بالقوة بصمتنا الذي تجاوز في خوره المدى، والذي جعل ملايين المغاربة لا يمثلون شيئا مقابل حفنة من الأسماء العائلية على وزن "بن…." يمثلون كل شيء، فالتفاوت الطبقي الحاد آفة تحول البعض إلى مجموعة أصفار على اليسار بينما تجعل من البعض الآخر محور العالم.
شعوبنا التي تثور حين يستفزها ضميرها الراقد على أشياء تافهة، وترضى بأخرى دليلة صاغرة، كأن مستقبلها المبهم لا يهمها بقدر ما يهمها نقاش قضايا أقل أهمية. |
هناك أشياء تسترعي الانتباه بشكل أكثر خصوصية -أكثر من فساد الحكومات- ليس بسبب تفاهتها الأكيدة وحسب، بل بسبب ما تغرسه في أرواحنا من مشاعر سلبية وما تحتويه من قبح فاضح يبدو في الوقت نفسه كما لو أنه غير قابل للتجميل، تماما كغباء شعوبنا العربية، التي تثور حين يستفزها ضميرها الراقد على أشياء تافهة، وترضى بأخرى دليلة صاغرة، كأن مستقبلها المبهم لا يهمها بقدر ما يهمها نقاش قضايا أقل أهمية من قبيل المثلية الجنسية وتعدد الزوجات وزواج القاصرات والدعارة، أو كأن وقفاتها الاحتجاجية ضد إسرائيل ستغير خارطة العالم، والملاحظ أن أغلب المحتجين لا يصلون وربما لا يتصدقون، يحسدون، يكذبون ويرتكبون الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فهل بمثل هاته الأخلاق سنستقوي على الجبابرة؟ لا وألف لا، والحق أننا سنزداد هوانا وسنكسب ذلا إلى ذلنا، فالتغيير لا يأتي دفعة واحدة بل ينطلق خطوة فخطوة وبتتابعها واستمرارها نصل إلى الغاية المنشودة ونحقق الأهداف المرجوة، فقط فلينطلق كل فرد منا من نفسه وليصلحها وكفى الله المؤمنين شر القتال.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.