شعار قسم مدونات

لماذا تخاف السعودية والإمارات من الإخوان المسلمين؟

مدونات - الإخوان المسلمين
إن السعودية والإمارات محصورتان في دائرة الخوف، الخوف من الخارج والداخل على حَدٍّ سواء. وعقدةُ الشعور بالنقص المسيطرة على مراكز صنع القرار في البلدين لا تزال تتحكم برسم السياسات. فصانعُ القرار يُدرك ضعفه الشخصي وهشاشة منظومته السياسية. وحين ينظر إلى الخارج فإنه يرى إيران كوحش مفترس قادم لابتلاع المنطقة، لذا يحتمي بأمريكا ويَدفع لها مئات المليارات من أجل توفير الحماية. كما أنه -في الوقت ذاته- يخشى تخلي الأمريكان عنه وقطع الحبل به، أو توصُّل أمريكا وإيران إلى صيغة توافقية تكون فيها الضحية هي السعودية والدول التابعة لها. وحين ينظر إلى الداخل فإنه يخشى تحركات الشارع أو ثورة الشعب لأي سبب كان.

وهذا الرعبُ المتواصل -خارجياً وداخلياً- يُقحم دوائر صنع القرار بأكملها في حسابات كابوسية، خصوصاً أن السعودية والإمارات لا تتمتعان بأنظمة فكرية واجتماعية متجذرة، ولا تملكان مؤسساتٍ عسكرية أو مدنية قوية، أو قواعد عمل سياسي منظَّم، أو بنية اجتماعية متماسكة. ومراكز صُنع القرار في السعودية والإمارات دائماً في مهب العاصفة بسبب الضعف الذاتي، والخضوع للخوف والإملاءات الخارجية، وهذه العوامل تمنع البلدَيْن من التحرك بثقة نحو المستقبل. كما أن هذين البلدين قد وقعا منذ زمن بعيد ضحيةً لما يُمكن تسميته "لعنة النفط". فالنفط -هذه النعمة العظيمة- قد صارت نقمةً بسبب سوء التصرف الذي أدى إلى تكالب القوى الكبرى على المنطقة، حيث تصول وتجول دون رادع.  

السعوديةُ والإمارات حريصتان على تفسير الإسلام وفق رؤيتهما الشخصية، أي السمع والطاعة العمياء، فلا يوجد رأي ورأي آخَر، ولا توجد وجهات نظر، ويُمنَع الاجتهاد وإعمال العقول. وأيُّ رأي آخَر يُعتبَر خيانةً وإرهاباً ودَعْماً للإرهاب.

والإشكالية الكبرى في النسق السياسي(السعودي/الإماراتي) تتجلى في التعامل مع المشكلات عبر إغداق المال وشراء ولاء الآخرين، وليس حل المشكلات جذرياً، وصناعة الإنسان القادر على الإبداع، والوقوف على قدميه دون مساعدة أحد، واكتشاف مصادر دخل غير النفط. وهذا التقدمُ في العمران والمشاريع، هو تقدم وهمي لأنه يعتمد بالكلية على عقول غربية وسواعد أجنبية وليس قدرات أبناء البلد. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن برج خليفة في إمارة دبي (أعلى بُرج في العالم) قد تم تصميمه وبناؤه حسب العقول والطاقات الأجنبية.  والإماراتيون والعرب ليس لهم علاقة بالأمر، لا من قريب ولا بعيد. والساعة العملاقة في مكة المكرمة قد تم صنعها في ألمانيا. إذن، نحن أمام معضلة حقيقية، ونهضة براقة لكنها مخادِعة. لذلك أَطلق الروائي الراحل عبد الرحمن منيف (1933_2003) على المدن التي أنشأها النفطُ لا العقلُ العربي اسم "مدن الملح" في إشارة إلى الذوبان.  لذلك كان من الطبيعي أن يقوم النظام السعودي بإسقاط الجنسية عن هذا الروائي الشهير.

وهذا الضعف المتجذر في السعودية والإمارات -فوقياً وتحتياً- جعل النظامَيْن السياسِيَّيْن فيهما على قناعة بأنهما على حافة الخطر، بسبب غياب المناعة الداخلية وعدم التمتع بالحصانة الرادعة. ومن هنا بدأ البحث عن العدو الذي يمكنه تهديد السعودية والإمارات -وفق رؤية صناع القرار في البلدين- وبالطبع كان هذا العدو هو جماعة الإخوان المسلمين، لأسباب كثيرة من أبرزها:
1- "الإخوان" هي الجماعة (الدينية/ السياسية)الأولى في العالَم الإسلامي بِرُمَّته، وأذرعها ممتدة في دول كثيرة.  وهي تملك رصيداً في ممارسة العمل السياسي لا تملكه السعودية والإمارات. فالإخوان المسلمون يمارسون السياسة قبل ظهور النفط. وهذا بحد ذاته يشكل ضغطاً على النظامَيْن(السعودي/الإماراتي). والذي لا يملك تاريخاً سياسياً سيشعر بالخوف مِن الذي يَملكه.

2- دوائر صنع القرار السياسي في السعودية والإمارات محصورة في فكرة شيخ القبيلة الذي يُكرِم أتباعه بالمال مقابل الالتفاف حول زعامته، وتقديم الولاء له، والتعهد بحمايته والحفاظ على منصبه. وهذا المنظومة لا تناسب عصرنا الحالي. وفي المقابل نجد أن "الإخوان" -بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معهم- يبذلون جهوداً حثيثة للتوفيق بين الشريعة والديمقراطية، وبين الأصالة والمعاصرة، آخذين بعين الاعتبار قضايا حساسة مثل حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحرية التعبير، ومسألة الأقليات، وقبول الآخر. . . إلخ. وهذا الخطاب يُشكِّل تهديداً مباشراً للنظامَيْن(السعودي/الإماراتي) اللذين يعتمدان على الانغلاق الفكري تحت ذريعة الحفاظ على الهوية والخصوصية. وهنا يظهر التناقض والعجب فدولة مثل الإمارات، صار فيها الوافدون أكثر عدداً من الإماراتيين، وقد فَتحت البلادَ أمام طُوفان العمالة الوافدة. وهذا أدى إلى اختلال كارثي في القضية الديمغرافية شديدة الحساسية.

3- وصول"الإخوان"إلى سُدَّة الحكم في أكبر دولة عربية(مصر)، وحُكمهم لمدة سُنَّة، جَعلهم على اتصال مباشر مع أمريكا والاتحاد الأوروبي وباقي القوى العالمية والإقليمية. والسعوديةُ والإمارات خافتا من تعزيز العلاقات الإخوانية – الأمريكية، أو الإخوانية – الإيرانية، فيخسر النظامان (السعودي/الإماراتي). فالمخاوفُ المسيطرة على صُنَّاع القرار جعلتهم يخترعون الكوابيس، ويبتكرون المؤامرات الافتراضية، ويَشُكُّون في كل شيء وَفْقَ قاعدة "كاد الْمُريب أن يقول خذوني"! لذلك دفعت السعودية والإمارات عشرات المليارات للسيسي مقابل الانقلاب على الرئيس المنتخَب محمد مرسي، وإنهاء حُكم الإخوان. وستظل السعودية والإمارات تَدفعان لنظام السيسي بشكل أعمى، مكافأةً له على تخليصهم من "كابوس الإخوان".

4- السعوديةُ والإمارات حريصتان على تفسير الإسلام وفق رؤيتهما الشخصية، أي السمع والطاعة العمياء، فلا يوجد رأي ورأي آخَر، ولا توجد وجهات نظر، ويُمنَع الاجتهاد وإعمال العقول. وأيُّ رأي آخَر يُعتبَر خيانةً وإرهاباً ودَعْماً للإرهاب، ويُسبِّب فِتنةً كبرى. فينبغي التطبيل والتزمير وإغلاق قناة الجزيرة، كي يرتاحوا من الرأي الآخَر! كما ظهر مبدأ التزاوج بين السُّلطة الدينية والسُّلطة السياسية. فمثلاً صار مفتي السعودية يَتحدَّث عن شرعية حِصار قطر، وصار يتناول موضوع نَسَب العائلة الحاكمة فيها. وهذا أمرٌ غريبٌ، وبعيد عن المروءة والشَّرف والعروبة والإسلام. وبروزُ "الإخوان" كقوة دينية وسياسية تحمل تفسيرها الخاص للإسلام يُشكِّل تحدياً للنظامَيْن (السعودي/ الإماراتي) اللذين يعتمدان على تفسير منغلق للإسلام. ولَيْتَ النظامَيْن الحاكمَيْن في هذين البلدين سَمَحَا بحرية الإعلام والتعبير عن الرَّأي، ولَيْتهما سارا على قاعدة معاوية بن أبي سفيان -على أقل تقدير- حين قال: "إني لا أَحُول بين الناس وألسنتهم ما لَم يَحولوا بيننا وبين مُلكنا".

صرَّح ترمب أن قطر شريكة في مكافحة الإرهاب، وبعد عدة أيام صارت قطر أكبر دولة داعمة للإرهاب! وهذا التناقض الصارخ يُشير إلى مأزق الرئيس الأمريكي الواقع تحت إغراء مئات المليارات التي سيحصل عليها من السعودية.

5- السعودية والإمارات تُريدان زعامةَ العالَم العربي بعد الثورات التي أطاحت بأنظمة الاستبداد. وهذه الزعامة الخيالية تتجلى في التنافس والصراع على اليمن، فالسعودية تُريد اليمن دولةً واحدة ومُوحَّدة، أمَّا الإمارات فَتَدفع باتجاه تقسيم اليمن إلى شمالي وجنوبي. وسياسةُ السعودية تتناقض مع سياسة الإمارات، وتتعارض معها، والحل هو اتِّهام قطر بالإرهاب ودعم الحوثيين !، وهذا نوع من الهروب من الأزمة، والتهرب من مواجهة الحقائق. فالقوات القطرية كانت مُشارِكة في التحالف العربي في اليمن، ولَم يَصدر مِنها أيَّة خيانة، أو يَصدر عنها أمر مُريب. وكان الجندي القطري يُقاتل جنباً إلى جنب مع الجندي السعودي، في حين كانت القوات الإماراتية في جنوب اليمن تُخطِّط لتقسيم اليمن، وتبني السجون السرية!

 وفي واقع الأمر، إن السعودية والإمارات تعتقدان أن الوقت مناسب لاستعراض عضلاتهما في كُل مكان لأن الساحة خالية. فمصر المنهارة بحاجة إلى وقت طويل كي تقف على قدميها وتعود إلى قيادة الأمة العربية -إن استطاعت العَودة-. وسوريا مُقسَّمة ومُمزَّقة وغارقة في الدماء، والعراق في قبضة إيران. ودول المغرب العربي بعيدة عن قلب الأحداث، ولديها مشكلاتها الكثيرة. لذا فالجو مناسب، والطريق مفتوح أمام السعودية والإمارات لقيادة الوطن العربي وَفْقَ رُؤيتهما ومصالحهما، ولا شَكَّ أنَّهما تُتقنان لغة المال، والمال قادر على صناعة السياسات وشراء الولاء.

 حتى إن الرئيس الأمريكي صار يُغيِّر كلامَه حَسَبَ بوصلة مليارات السعودية، فقد صرَّح ترمب أن قطر شريكة في مكافحة الإرهاب، وبعد عدة أيام صارت قطر أكبر دولة داعمة للإرهاب! وهذا التناقض الصارخ يُشير إلى مأزق الرئيس الأمريكي الواقع تحت إغراء مئات المليارات التي سيحصل عليها من السعودية. وبعد كل هذا التناقض والفشل في السياسة (السعودية/ الإماراتية)، صارت قطر والإخوان وجهين لعُملة واحدة اسمها الإرهاب، ويجب التضحية بهما كَي تحصل السعودية والإمارات على الزعامة الخيالية الافتراضية. لكنَّ الأمر ليس بهذه السهولة، لأنَّ السِّحر سينقلب على الساحر، ويصبح الصَّيادُ فريسةً، وعندئذٍ، لا يَنفع الندم. والعاقلُ مَن اتَّعظ بِغَيره، والجاهل مَن اتَّعظ بنفْسه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.