شعار قسم مدونات

كاريزما الكذب

blogs الحقيقة و الكذب

الكاريزما كلمة نسمعها كثيراً وتعني عند وصفِ شخصٍ ما بأنّهُ كاريزمي أي أنّ له قدرات عالية على التواصل مع الآخرين وإقناهم وأسرهم بشكلٍ غيرِ ملحوظ، قد ترتابُ الدهشةَ الممعنَ في القراءةِ هنا على أننّي كما سُيلاحظ وصفتُ الكاذبَ بأنّهُ كاريزمي بالرغم من أنّي أراهُ خلافَ ذلك، قمت بنعتهِ بالكاريزمي من ذاتهِ التي صدّقت ما تقومُ بهِ بإتقانٍ وحفاوةٍ وأقنعت نفسها بجدوى فعلتها بل علاوةً على ذلك أعطت قيمةً إيجابيةً لها ظانّةً فلاحَ خبيثِ كذبها.

بعدَ لعنِ لعنةِ الكذبِ ألفَ مرةٍ، وبعدُ.. تُزعجني جدَّاً تلكَ الشخصياتُ التي صدَّقت كَونَها كاريزميّةً في الكذبِ.. تُزعجني أكثرَ من كَونِها كاذبةً حقّاً، تقتاتُ بمواصلةِ الخداعِ على جزمِ الاعتقادِ بتصديقِ المتلقِّي لأقاويلها فقط لأنَّه اعتادَ التّسليمَ بالصَّمتِ …! أوشكُ على التقيُّؤ بعدَ رؤيةِ البسمةِ التي تعتري وجوههم جراءَ ظنونهم بأنَّهم صُدِّقوا، بعدَ أن تأخذهم العزَّةُ بالكذبِ وتعتليهم صفاتُ الشفافيّة والموضوعيّة والمصداقيّة لكن دونَ شهادةِ شاهدٍ بذلك.. بل جراء الاكتفاءِ بالصَّمتِ …! 

هل تساءلتم يوماً لماذا تلقونَ صمتاً وصمتاً فقط اعتياضاً عن جهرٍ يُبدي مساوئكم ويُعرِّيكم من حقيقتكم؟؟ من أعلى الهرمِ تبصرَ ذاك الدّاء متشعِّباً.. من راعٍ على رعيّتهِ، في كلِّ مرةٍ يتوقون لصدقٍ يشخِّصُ حقيقةَ مجرياتٍ ما، يشفي سأمهم من الكذب، لكن يدأبون إلى الصمتِ.. ربّما لعجزهم لقلّةِ حيلتهم لفراغهم من الأمرِ!

اتّقوا عاجزاً يبتهلُ في غسق الدّجى لا يملكُ إلّا دعاءاً مثل السلاحِ يطيرُ من أدنى لأعلى .. اتّقوا قلوباً فاضت بالحلمِ والإحسانِ آثرت صمتاً ثقيلاً يقتلها على بوحٍ هو أثقلُ عليها.. اتّقوا عقولاً دعتكم تقصّونَ أكاذيبكم إلى يومِ قولكمُ الصدق

من صحفيّ وإعلاميّ على مئاتِ الألوفِ المنتظرةِ إنصافاً بالمادّةِ الموضوعة بالخبرِ المنقولِ بالحقيقةِ.. لا تزييفاً بالياً بما تهوى الأنفسُ وتشاءُ العقول، هم أيضاً دأبهم الصمتُ الذي اعتادوه.. ربّما ترفّعٌ عن الانسيابِ وراءَ تلكَ السخافاتِ المزوّرة، ربّما حزنٌ فتكَ بكلماتهم وأصواتهم جراءَ تتابعِ تفاهةِ الكذب!
 

من ثقبٍ آخر؛ رجلٌ اعتادَ الكذبَ على زوجتهِ هرباً من الحقائقِ مراراً وتكراراً، ولم تجأر يوماً بتخطيئهِ بل ملاذها الوحيدُ الصمتُ. ربّما مصونةً لقلبٍ تهواهُ ربّما احترازاً من إيلامِ روحٍ تسكنها! أو من شابٌ على رفاقهِ يُظهرُ ذاتهُ حليماً أو رشيداً أو ما إلى ذلك.. مستتراً بعباءةِ الأكاذيب ولا يواجهُ إلا صمتاً يتابعُ أقاويلهُ.. لربّما مراعاةً لمشاعرَ قد تجرح أو لصداقةٍ قد تخدش! 

من طفلٍ على أهلهِ أو طالبٍ على معلّمهِ أو جارٍ لجارهِ أو.. يقنعونَ أنفسهم بشتّى الوسائلِ أنّا صدقناهم ويعودونَ من جديد ليعودَ صمتُنا.. ربّما ربّما يوماً ما يفقهون صمتنا ويدركون حماقتهم !خوادعٌ من بروقِ الكذبِ يدفعها إليكَ دفعَ خبيرٍ بالأراجيفِ، داءٌ لعمري لم أجد ما يداويه.. كلّ تلك الأكاذيب تقابلُ ذاتَ الأمر، تعدّدتِ الأسبابُ والصمتُ واحدٌ، النتاجُ واحد .ارحموا عقولنا ولتشفقوا على أنفسكم يا من شققتمُ الشّوقةَ فبلغتِ الأفاق.

اتّقوا عاجزاً يبتهلُ في غسق الدّجى لا يملكُ إلّا دعاءاً مثل السلاحِ يطيرُ من أدنى لأعلى .. اتّقوا قلوباً فاضت بالحلمِ والإحسانِ آثرت صمتاً ثقيلاً يقتلها على بوحٍ هو أثقلُ عليها.. اتّقوا عقولاً دعتكم تقصّونَ أكاذيبكم إلى يومِ قولكمُ الصدق، احترزوا يوماً تجبرونَ على النطقِ بهِ نادمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.