شعار قسم مدونات

شكرا لقيامة أرطغرل

blogs - ertugrul

شكراً "قيامة أرطغرل" لأنك أنعشت إعلامنا وأيقظته من غيبوبته الطويلة الأمد. شكراً لأنك ذكرتنا أن هدف الإعلام هو إصلاح المجتمعات وتطويرها وليس تصليعها من قيمها وثقافتها. شكراً لعمل تلفزيوني أوقد الأمل بدور الإعلام الهادف وتأثيره في بناء العقول وتسديد الخطى باتجاه التفوق والتميز. أنا لست هنا لأنقد هذا العمل من ناحية المصداقية التاريخية ولا الموضوعية الإعلامية فما يعنيني هو تجلي القيم التي بات شبابنا في العالم العربي بمعظمه يصبو إليها في كتب التاريخ التي غالباً ما تنتقي من التاريخ ما يخدم الحاضر والمستقبل او في كتب الصحابة والسلف الصالح.

 

نحن كشعب عربي يصارع موج الحروب ويدفع أثمان الهوان والذل بحاجة الى إعلام يضمد الجراح وينعش القلوب ويقدم النموذج والقدوة. نحن نتعطش لإعلام يحاكي الإنسان فينا الى إعلام يتكلم بلسان حالنا ويبعث الأمل في نفوس الشباب والشابات أن التغيير لا يأت إلا عندما يتزاوج الإيمان مع الأخلاق والعلم

لقد حرص المسلسل على التسويق لكم هائل من المثل والمبادئ وهنا لا بد أن استذكر مدرسة فرانكفورت ونظرية صناعة الثقافة التي أتت ضمن مشروعها النقدي للحياة المعاصرة التي أفرزتها الحياة الغربية. سلطت هذه المدرسة الضوء على دور مختلف وسائل الإعلام في تنميط سلوك المتلقي والتأثير عليه من خلال ما تقدمه من برامج ومواد اعلامية تهدف من خلالها الى بسط هيمنتها وصناعة الثقافة. الصناعة هنا تعني الصناعات الترفيهية والترويجية التي تدخل في عدادها أنشطة التلفاز والسينما والإذاعة والصحف. يرى ممثلو هذه المدرسة أن انتشار صناعة الثقافة بما تنطوي عليه من منتوجات سهلة ونموذجية الطابع من شأنها أن تقوض قدرة الأفراد على التفكير النقدي المستقل وأن تؤدي الى اضمحلال الفنون الإبداعية. اليس ما يفعله الكم الهائل من اعلامنا العربي اليوم هو إضعاف روح الإبداع والاستخفاف بذوق المشاهد والترويج للتسلية والفكاهة. 

 

مسلسل أرطغرل كسر وتيرة الإعلام الذي يروج لأفكار وأنماط وظواهر لا تهدف إلا لتسجيل اعلى نسبة مشاهدة ولتحقيق مكاسب في سوق المشاهدة الاستهلاكي. لقد بات هذا الإعلام يروج ويصنع ثقافات لا تعبر عن معظم، شعوبها. نحن أمة ثقافاتنا، وحضاراتنا نور أضاء جباه أجدادنا ووسم تاريخنا. ما يفعله إعلامنا العربي بأغلبيته هو التعتيم على هذه الثقافات وردمها تحت مسمى الحداثة، والعولمة والتطور. لقد أثبت مسلسل قيامة أرطغرل أن الذوق العربي لا زال بخير وأن المشاهد العربي متعطش للتصالح مع والتغني بقيمه ومبادئه والى إيجاد القدوة. كمشاهدة لهذا المسلسل عزمت أن أجرد عقلي من المسائلة التاريخية ومن تحري الموضوعية الإعلامية وأن أمحص صور الأبطال وكيف يكون النصر حليفاً للأمة حين يجتمع الإخلاص في النية مع الصدق مع الحكمة والعدل والبر والصبر والعمل الدؤوب والتوكل على الله. فهذه كنوز أخلاقية لم يعد لها وقع ولا أثر في أغلبية قنواتنا العربية. مسلسل قيامة أرطغرل العمل التركي وتمحوره حول البطل الذي أسس لقيام الدولة العثمانية كان الملاذ الآمن لقيمنا الإنسانية. هذا وأن دل على شيء فإنه يدل على أن الأخلاق والقيم التي تجمعنا أكبر من الأوطان والطوائف والقوميات وأن الإسلام دين عالمي يتخطى الجغرافيات والأيديولوجيات والمصنفات ليرتقي فقط بالإنسان والإنسانية.

 

نحن كشعب عربي يصارع موج الحروب ويدفع أثمان الهوان والذل بحاجة الى إعلام يضمد الجراح وينعش القلوب ويقدم النموذج والقدوة. نحن نتعطش لإعلام يحاكي الإنسان فينا الى إعلام يتكلم بلسان حالنا ويبعث الأمل في نفوس الشباب والشابات أن التغيير لا يأت إلا عندما يتزاوج الإيمان مع الأخلاق والعلم.

 

لقد وصل بنا الحال الى الشعور بالخزي والخجل مما تقدمه معظم القنوات العربية من مواد استهلاكية تحمل كل الصفات إلا صفة الإعلام الهادف فالإعلام الهادف هو الذي يروق لفكر المشاهد وعقله وليس فقط نظره وغرائزه. هو الإعلام الذي يهذب النفس والروح والعقل معاً وليس الذي يفتقر الى التهذيب. هو إعلام يجيد صناعة القدوة التي ترفع من شأن المجتمع وتدفعه الى التطور علمياً وأخلاقياً.
شكراً "قيامة أرطغرل" من أعماق القلب لأنك شحنت عقول الشباب والكبار والصغار بالأمل ولأنك قدمت صورة عن الإعلام الهادف وليس الهادم، الإعلام الذي يصنع ثقافة البشر وليس الإتجار بأفكار البشر. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.