شعار قسم مدونات

سِياسيّ المال وأزمةُ الخليج

People pass by Trump Tower while participating in the
ترمب سِياسيّ المال، شخصيةٌ أثارت الجدل بأسلوبها ووصولها لرئاسةِ البيتِ الأبيض، له سيرةٌ ذاتيةٌ تُلخِص فِكرهُ الرأسماليّ الليبرالي، ونستدلُ أبرز ما حَوَت سيرتَهُ الذاتية حيث حوت أربعَ سَقطاتٍ مالية مُدويةّ، لكن هذا على صعيد اقتصاد فردي لا اقتصاد دولة، فهنالك فرقٌ كبيرٌ بين سقوط هذا وذاك، فالأول ليس كما الثاني يمكن النهوض به بسنوات معدودات، خلال الدعاية الانتخابية كان يَنظرُ ويقيس كل شيءٍ من منظورِ المال، مثلاً كان يرى بأن أمريكا ليست مجبرة على دفع الجزء الأكبر من ميزانية حلف الناتو، وكان يرى في المكسيك مهدداً للأيدي العاملة الأمريكية، فذلك يدل على أن المال والاستثمار هما البوصلة الأولى لتحركاته.

بعد زيارتهِ الأخيرة لشرق الأوسط تحديداً السعودية، ما مر من الوقت إلا القليل، وإلا بانفجار وسائل الإعلام أمام قطر، دولةٌ قزميه من حيث المساحة وعدد سكانها الأصلين لا يتجاوزوا الـ300 ألف نسمة، لكنها على الصعيد السياسي والاقتصادي عملاقة مقارنة بتلك القزمية، رُسمت مسرحية الإعلام لتكون قطر ضحيتها، ليتبع ذلك إعلان كل من السعودية والإمارات ومصر وليبيا والبحرين واليمن وجزر المالديف والقمر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ثم تلاهم العديد من الدول، وحسب ادعاءاتهم أنها تدعم تنظيمات إرهابية و تعمل على تأجيج الصراعات الداخلية وإيوائها للمطلوبين، ودعمها لسياسات إيران في المنطقة.

سياسي المال ليس مجرد صوت يسمع في السماء، بل أقواله أصبحت واقعاً، فقد كان يرى في الدول الخليجية بقرةً للمال وها هو اليوم يحلبها، فما الذي سينفذه من كلامه في الأيام القادمة؟

من غير المعقول أن الإمارات والسعودية علموا قبل عدة أيام فقط بتحالف إيران مع قطر، و بدعم قطر للإخوان، وبالتقارب الإيراني القطري فهذه أمور تعرفه دول الخليج حق المعرفة، كل هذا يشير إلى أن هنالك أسباباً مخفية وراء الستار، السياسة الخارجية القطرية ليست كغيرها من سياسات الدول الخليجية وهي ليست تابعة لسياساتهم المنقادة في المنطقة بزعامة السعودية تحت مظلة تسمى مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من أن الزعامة الخليجية كانت أحد الأسباب لمثل هذه الأزمة.

ردود الفعل كانت مُستهجنة لتلك السياسة الحصارية تجاه قطر، وهنالك دولاً ذات وزن إقليمي وعالمي مثل بريطانيا وألمانيا و تركيا وإيران تساند قطر في محنتها، وتدرك الدول المقاطعة أن السُبل لتغير السياسة الخارجية القطرية لا يكون إلا بعدة طرق أبرزها تغير النظام الحاكم كأحد الأساليب المجدية إذا لم تكن المقاطعة مجدية، ومن الممكن أن يتم تشكيل قوة لشن حرب على قطر ولكن ذلك مستبعد، دولاً مثل تركيا و باكستان وإيران عمدت على إرسال قواتٍ عسكرية إلى قطر تحسباً لأي خطوةٍ من هذا القبيل.

السياسة المُحاصِرة لقطر لم تجعل سياسييها متخبطين بل أظهرت مدى عقلانيتهم في التعامل مع كل المستجدات بعكس سياسة بعض الدول المُقاطعة التي جعلت نفسها مسرحية للإعلام الساخر في بعض الأحيان، كما أظهرت مدى صلابة الاقتصاد القطري فمثلا الريال القطري لم ينهار، المستثمرون لم يفروا من البلاد، والمواد الغذائية متواجدة في الأسواق وهذا يشير إلى قوة الدولة اقتصادياً؛ لأنها تتبع سياسة إقتصادية مُنتِجة ومُصدِرة ولا تعتمد على الاستيراد والاستهلاك كبقية الدول المقاطعة، عدا عن عمق علاقاتها الحقيقية مع العديد من الدول الداعمة.

إدارة أوباما السابقة كانت في علاقة متوترة مع الرياض وعندما حل سياسي المال عوضاً عنه كانت السعودية أول دولة يزورها، المبالغ التي ستدفعها السعودية على شكل صفقات ليست سوى بديلاً لقانون "جاستا" والذي سيكون من المقدور بموجبه مقاضاة دولاً كالسعودية على خلفية هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أو ربما امتثالاً له، عدا عن تواجد أكبر قواعد عسكرية أمريكية ومئات الآلاف من قوات المارينز على أراضيها والتي بدورها توفر الحماية الأمريكية لها.

السياسة المُحاصِرة لقطر لم تجعل سياسييها متخبطين، بل أظهرت مدى عقلانيتهم في التعامل مع كل المستجدات، بعكس سياسة بعض الدول المُقاطعة التي جعلت نفسها مسرحية للإعلام الساخر!

التناقض كان سيداً للموقف الأمريكي تجاه الأزمة، تارةً يخرج لنا سِياسيّ المال ليثني على الحجج الإعلامية لدول المقاطعة وتارةً أخرى يخرج وزير الخارجية الأمريكي مصرحاً بأن الحصار الذي تفرضه دول خليجية على قطر غير مقبول، هذا هو حال مؤسسات ورجال السياسة الأمريكية، فمنهم من هو مساند لقطر ومنهم مَن هو مساند لدول المقاطعة.

سِياسيّ المال الداعم لثلة المقاطعة ما يسعى إليه بصورةٍ أولى هو المال الذي لم يجنيه من قطر إلا أنه بدأ يحصل على ذلك بصيغة صفقات أسلحة أولها بقيمة 12 مليار دولار، في حين يدرك وزير الخارجية الأمريكي وأعوانه من المؤسسات الأمريكية الداعمة لقطر أن المصالح القطرية ليست بالشيء الذي يستهان به، فهنالك أكبر القواعد لأمريكية التي من الممكن أن يكبد نقلها الكثير، ناهيك عن المستثمرين القطريين في واشنطن، ومن الغير المعقول أن تقلص واشنطن نفوذها في المنطقة لصالح أطراف أخرى، هذه السياسة هي أسلوباً للموازنة بين الطرفين ويعزى ذلك لعدم قدرة البيت الأبيض التخلي عن إحدى أطراف الأزمة لما سيتبع ذلك من آثارٍ سلبية على المصالح الأمريكية.

قطر هي المشهد الأبرز في هذه الآونة، وهذه الأزمة ستنتهي بالحوار حسب تصريحات أطرافها، لكن الدول المقاطعة طرحت عدة شروط لا رجعةَ فيها وعلى رأسُها طرد حماس من قلب الدوحة على الرغم من أنها لم تضع أي اسم حمساوي على قائمة الإرهاب التي أعربت عنها قبل عدةِ أيام، ويبقى التساؤل مَن أبرز ضحية للأزمة؟.

السلطة الفلسطينية المتمثلة بحركة فتح على ما يبدو أنها أعلنت الوقوف إلى جانب الدول المقاطعة حسب ما صرح رئيس المخبارات ماجد فرج معتبراً مِن موقف الراحل ياسر عرفات عندما صف إلى جانب العراق ضد الكويت في حرب الخليج الذي نال عاقبَتَهُ لذلك فيما بعد، أما حماس فأعربت عن استغرابها واستهجانها لتلك المقاطعة.

هنالك أكبر القواعد الأمريكية التي من الممكن أن يكبد نقلها الكثير، ناهيك عن المستثمرين القطريين في واشنطن، ومن الغير المعقول أن تقلص واشنطن نفوذها في المنطقة لصالح أطراف أخرى.

خرجت حماس بوثيقةٍ هي أكثر مرونةً لتتكيف مع الواقع الإقليمي والعالمي بصورة أفضل، تواجدت حماس على قائمة الإرهاب كأحد الأسباب المسببة للأزمة الخليجية، في حال كانت حماس مقصداً رئيسياً لهذه الأزمة وكانت قطر مضطرة للتخلي عنها تكون بذلك وقعت بين فكي كماشة ناهيك عن تربص ليبرمان لشن حرباٍ عليها، ستكون حماس لأول مرة تواجه أزمةً حادة من هذا النوع؛ لأن تلك الأزمة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فالداخل يحوي غضباً شعبياً تزدادُ وتيرتهُ يوماً بعد يوم، وعلى الصعيد الخارجي حماس إن خرجت من الدوحة ستفقد الحاضنة الرئيسية لها.

ومن الممكن أن تكون طهران هي بديل للدوحة لكن ذلك سيكبدها الكثير من الخسائر، وسيقود ذلك حماس للاتجاه نحو المصالحة كأفضل خيارٍ للخروج من هذه الأزمة، وبكل تأكيد ستلقى حماس إن سارت في ذلك الاتجاه مفترق طرق ما بين الجانب السياسي والعسكري. سياسي ليس بالقليل مثل محمد دحلان من المؤكد أن يكون متربصاً لمثل هذه الأوضاع للعودة إلى الساحة الفلسطينية بصورةٍ أقوى بعد أن تم إقصائه، فمن الممكن أن يقدم لحماس يدَّ العون، لكن هل سيسمح له عباس وحماس بذلك إن أقصيت حماس من قطر؟ سنرى ذلك في ما بعد.

سياسي المال ليس مجرد صوت يسمع في السماء، بل أقواله أصبحت واقعاً، فقد كان يرى في الدول الخليجية بقرةً للمال وها هو اليوم يحلبها، فما الذي سينفذه من كلامه في الأيام القادمة، ولمن الأولوية هل ستكون للقدس وغزة أم داعش أم غير ذلك، الحدث الذي سيكون حديث الأيام القادمة بعد الأزمة الخليجية سيكون حسب رغبة ذاك الأشقر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.