شعار قسم مدونات

اللهم اجعله فشلا سياسيا

U.S. President Donald Trump (center L) walks with Saudi Arabia's King Salman bin Abdulaziz Al Saud (center R) to deliver remarks to the Arab Islamic American Summit in Riyadh, Saudi Arabia May 21, 2017. REUTERS/Jonathan Ernst
وقسا ليزدجروا ومن يك حازما ::: فليقس أحيانا على من يرحم. تردد هذا البيت كثيرا، على ألسنة فئة مناصري المقاطعة، التي قامت بها المملكة العربية السعودية ومن معها، لدولة قطر، في محاولة لإلباس هذه المقاطعة لباس التربية الحازمة التي يقوم بها الأب لأحد أبنائه، أو الأخ الأكبر لشقيقه الأصغر، رغبة في إصلاح هذا الابن أو ذلك الأخ.


هذا الإسقاط وإن كان لا يصح لاختلاف الأسس التي تحكم علاقات الدول حتى الشقيقة منها، مع معايير التربية الفردية الواقعة بين أفراد العائلة الواحدة، إلا أنه يمكن نقضه بسهولة، من خلال وقائع المقاطعة وإجراءاتها التي باشرتها الدول المقاطعة اتجاه قطر.

ليس خفيا على أحد أن الهدف الأسمى للأخ من قيامه بأي إجراء حازم مع أخيه، هو الرغبة في الإصلاح، والتي تكون وسيلتها الأمثل ما نسميه ب "الرد الجميل"، الرد الجميل الذي يقتضي أن يحرص الشقيق الأكبر على ألا تكون إجراءاته الحازمة، ذات طابع يجرح كبرياء وكرامة شقيقه، ويسبب له جرحا عميقا قد يؤثر في علاقتهم الأخوية بعد عودة العلاقة، وانتقالها من طور الانفصال، لطور الاتصال.

الأخ لا يفاجئ أخاه وأهله ويباغته ليلا، مروعا له كما يفعل من يهاجم عدوه، بل يختار أفضل الأوقات، وأنسب الظروف، فكيف بالأخ الذي يتقصد أن تصدر بياناته منتصف الليل، وقبيل الفجر لترويع أخيه.

لكن مجرد النظر لواقعة المقاطعة، نظرة سريعة وخاطفة، كاف لملاحظة أن كافة إجراءاتها تخلو تماما من سمة جمال الرد، بل على هي تتضاد معها بالكلية، حيث أن صفتها الفاضحة والواضحة، هي صفة استجلاب للعداوة، لا دفع لها، ودلائل ذلك يظهر في التالي:

الأخ لا يفبرك الأخبار وينشر الأكاذيب على لسان أخيه، لعلمه أن الكذب يناقض صدق المحبة بين الأخوة الأشقاء، ولا يتفق مع نقاء غاية الإصلاح وصدق نية من يسعى لها.
الأخ لا يرضى لأخيه أن يحتاج للغريب، حتى في أشد أوقاته انحرافا عن الاستقامة، فكيف بالأخ الذي يقوم بدفع أخيه دفعا للاحتياج للبعيد للغريب، ثم لا يكتفي بذلك، بل يجاوزه، إلى أن يعيره بهذا الاحتياج، كما تفعل دول المقاطعة.

الأخ قد يقاطع أخاه طيلة أيام السنة، فإذا حان رمضان وضع خلافاته معه جانبا، وصالحه، فكيف بأخ يترك كافة أشهر السنة، ويختار شهر رمضان لمقاطعة أخيه الأصغر، الذي يدعي رحمته به!

الأخ لا يستدعي وقوف الغرباء أبدا ضد أخيه، ولا يستقوي بهم لخنقه، فكيف بأخ يستدعي صداقة الغرباء في عداوة الأخ، حتى من الذين لا يتحدثون لغته ولا يدينون بدينه!

الأخ لا يمكن أن يمنع أبناء وبنات أخيه من زيارة منزله، بحجة خطأ والدهم، فكيف بالأخ الذي يمنعهم حتى من الاقتراب من ساحة المنزل، في شئ لا صلة لهم به، كما تفعل دول المقاطعة.

الأخ لا يمكن أن يمنع أخاه الأصغر من زيارته بحجة صداقته لصديق السوء، ثم يستضيف صديق السوء هذا في منزله، ويترك بابه مشرعا لهذا الصديق ولأبنائه، كما تفعل دول المقاطعة.

الأخ لا يفاجئ أخاه وأهله ويباغته ليلا، مروعا له كما يفعل من يهاجم عدوه، بل يختار أفضل الأوقات، وأنسب الظروف، فكيف بالأخ الذي يتقصد أن تصدر بياناته منتصف الليل، وقبيل الفجر لترويع أخيه، كما تفعل دول المقاطعة.

الأخ لا يطرد أبناء أخيه الذين ظلوا يدافعون عن منزله، ضد من يحاولون سرقته، في اليوم التالي لإصابة بعضهم دفاعا عنه، بتهمة الخيانة كما فعلت دول المقاطعة.

كل هذه الدلائل لا تترك مجالا للشك في أن هذه الإجراءات هي إجراءات تهدف لنقل قطر إلى المعسكر المعادي، لا ردها لمعسكر التحالف، فمن يقوم بالرد الجميل، يعطي مجالا للعودة لمن يهدف لرده إليه، ولكن الحاصل أن المقاطعين يدفعون قطر دفعا في زاوية، لا تستطيع الخروج منها إلا عن طريق إيران، لتبرير ما يقومون به اتجاها أمام شعوبهم، ولإثبات تهمتهم المسبقة التي ادعوا فيها تعاون قطر مع إيران ضدهم.

الأخ قد يقاطع أخاه طيلة أيام السنة، فإذا حان رمضان وضع خلافاته معه جانبا، وصالحه، فكيف بأخ يترك كافة أشهر السنة، ويختار شهر رمضان لمقاطعة أخيه الأصغر، الذي يدعي رحمته به.

الأخوة التي ما زال البعض من أرباب المقاطعة يستخدمونها، ويتشدقون بها، مدعين قيام قطر بخيانتها، قد تعرضت فعلا للطعن وللضرب في مقتل، لكن ليس من قبل قطر، تمت هذه الطعنه، خلال المؤتمر الذي استضافته المملكة، وهي الطعنة التي سيبقى جرحها الغائر في النفس القطرية، لمدة طويلة من الزمن. ليس أبشع من أن تدعوني للمشاركة، وتستقبلني أتم استقبال، بالترحيب والابتسام، وكأنك تحاول أن تخدرني عما تنوي القيام به، ثم تستغل ضيافتك لي، وتقديري الجم لمكانتك، فتحيك حولي خيوط المؤامرة، وأنا موجود في عقر دارك..

أنت في حرب وجودية مع إيران، التي تحاربك في العراق سوريا اليمن البحرين والقطيف، جمعت٥٠ دولة إسلامية، رئيس أكبر دولة في العالم، ودفعت 500 مليار، لماذا هذا كله؟ لإقناع الرئيس الأمريكي أن إيران هي مصدر الاٍرهاب، "هدف المؤتمر المعلن"! لكن أن يذهب ترمب، وهو مقتنع بأن قطر هي مصدر الاٍرهاب، لا إيران، فأنت بين خيارين أمرهما "خيانه"، وأحلاهما "فشل سياسي":

١- إما أنك قمت فقط بإقناع ترامب أن قطر هي مصدر الاٍرهاب، كما قال بنفسه "تاركا إيران"، وبالتالي تكون قد كذبت على شعبك بزعمك أن هذا المؤتمر وتلك المليارات لإسقاط إيران، "الخيانه".

٢-أو أنك حاولت أن تقنعه بأن إيران هي مصدر الاٍرهاب، لكنه لم يقتنع بعد ذلك كله، وبالتالي "راحت عليك فلوسك خسارة يا تاجر"، "الفشل السياسي". ولدواعي الأخوة فقط، نسأل الله أن يكون ما حدث "فشل سياسي" لا "خيانة"، وأن يكون ترمب كاذبا فيما قاله نقلا عن "أخوتنا" فيما كان يسمى سابقا مجلس "التعاون" الخليجي! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.