شعار قسم مدونات

أمراض ثقافتنا العربية

مدونات، الرأي

الثقافة العربية اليوم ثقافة مريضة، تعاني الاحتضار كل يوم، وقد أورثت عالمنا العربي أمراضا لا خلاص منها تنخرنا كل يوم، من المشرق إلى المغرب، التخلف هو السمة البارزة والطاغية على كافة الأصعدة، بينما العالم من حولنا يتقدم ويزحف إلى الأمام، عالم شمر عن سواعده، ودفن منذ أزمنة غابرة التخلف في غياهب النسيان لينير بعد ذلك طرقا من الأنوار، بينما عالمنا العربي لازالت تنخره العلل كل يوم وهو في غفلة ونوم عميق.

من أهم قوانين الكون والطبيعة أنه من لا يتقدم يتأخر، وأن من لا يستطيع أن يجد الأدوية المناسبة لأمراضه وعلله حتما محكوم عليه بالموت. إحدى أكبر امراضنا أننا كعرب ومسلمين لا نريد أن نعيش العصر بتحولاته وأن نمتطي أمواجه ولا نستكين إلى الوراء حتى لا نصبح من حثالة التاريخ، لقد اعتقد الكثير منا أن عصورنا الذهبية قد انتهت ولابد من البكاء عليها والتحسر عليها، ولابد من الرجوع اليها باستعمال الوسائل التي استعملها صانعو هذه العصور، إذ ينادي الكثير من الأشخاص بضرورة تطبيق الخلافة والشريعة، إذا ما أردنا إحياء تلك الأمجاد، وهذا ما يفسر لنا أن العقلية العربية تربط كل رهنيتها وماضيها بالأشخاص، وليس من خلال المبادئ والقيم والسياسات. فعلى المسلمين اليوم أن يواجهوا العصر ويتقبلوا صدماته بمواجهتها ومحاولة فهمه.

إن أكبر مرض يعانيه العالم العربي يتمثل في الاستبداد السياسي، الذي سارع إلى زراعة بذور الخوف والتخلف في الكثير من الأفراد.

من أمراض الثقافة العربية كما أشرنا سالفا أنها غارقة في التعلق بالأشخاص، وعندما تدرس التاريخ فإنها لا تأخذ العبر والمواعظ بقدر ما تهدف إلى تبيان فضائلهم ومنزلتهم بين بعضهم البعض. من أهم أمراض الثقافة العربية كذلك، أنها ثقافة لا تقبل النقد، وتموت في المديح والإثراء عشقا وولها، فنحن نصفق ونحب لمن يتغنى بأمجادنا وتاريخنا، ولمن يتغنى بجمالية عادتنا وتقاليدنا، وكل من أراد أن يوجه لنا سهام النقد فهو إما مدفوع أو عميل أو خارج عن جماعتنا يريد بنا شرا.

ويسعى إلى تكسير أسطارينا وأمجادنا الخالدة، فمتى بدأنا في انتقاد ذواتنا وأطرنا الثقافية والاجتماعية تسنى لنا بذلك معرفة مكامن الخلل والعمل على إصلاحها، وبذلك تبدأ أذهاننا وعقولنا في التفتح وإيجاد المناهج والطرق الكفيلة بإخراجنا من ربقة التخلف، عوض النوم على أسرة الماضي، والتغني بأمجادنا الخالدة.

من أمراضنا الاجتماعية أن الإنسان العربي إنسان خرافي إلى أبعد الحدود، إذ دائما ما يرمي بفشله الحياتي إلى قوى غيبية تتراوح بين السحر والعين وما شابه، وهذا الداء ينتقل من الأفراد إلى الجماعات، فعندما تغلق جميع السبل أمامها وتعجز عن قراءة واقعها وسر تخلفا تلجأ في غالب الأحيان إلى نظرية المؤامرة، اذ كثيرا ما نحمل أوزارنا إلى الاستعمار، والصهيونية، وأمريكا، متناسين بذلك ان الله يدعونا إلى العودة إلى ذواتنا وتحمليها كافة المسؤولية، والبدء في تغيرها، وهذا لن يتأتى إلا عندما نفهم أن المشكلة توجد فينا، ولو لم نكن بهذا الضعف لما استطاعوا التآمر علينا.

من أمراضنا الاجتماعية كذلك أن تديننا مغشوش، وفي أغلب الأحيان يغلب عليه البعد الظاهري والطقوسي، وخالي من الجوهر والمعاني الحقيقة الذي جاء من أجلها، ولا زلنا لم نفهم بعد جوهر الرسالة المحمدية التي كانت تسعى إلى أن تبث فينا روح المبادرة والعمل الخلاق، وإعمار الأرض وإقامة العدل، وتحرير الإنسان من عبادة الآلهة الزائفة والطواغيت إلى عبادة الله، هنا يمنحنا الإسلام قوة عندما نبدأ في التساؤل عن سر وجودنا وعن أصلنا وفصلنا ومن نحن في هذا العمل.

من أمراضنا الاجتماعية أن الإنسان العربي إنسان خرافي إلى أبعد الحدود، إذ دائما ما يرمي بفشله الحياتي إلى قوى غيبية تتراوح بين السحر والعين وما شابه.

والتدين الحقيقي هو أن لا تحابي الطغاة ولا تصفق لهم ولا تصطف خلهم، والتدين الحقيقي هو أن تحترم الوقت وتقدس العمل، وأن تتحلى بالعقلانية وتتخذ الأسباب وتعمل بها، ولو كان تدينا هكذا لما كان وضعنا مختلف مما نحن عليه.

وفي الجانب السياسي، فإن أكبر مرض يعانيه العالم العربي يتمثل في الاستبداد السياسي، الذي سارع إلى زراعة بدور الخوف والتخلف في الكثير من الأفراد، لقد أقبر الإبداع وأفسد التعليم، وبهذا أنتج أشباه المواطنين يتحكم فيهم كيفما شاء.

وناهيك عن الاستبداد السياسي هناك الاستبداد الديني، الذي أصبح يشكل في أغلب الأحيان مراكز للكبت، بعدما أغلقوا أبواب الاجتهاد وجعلوا تفسير أمور الدين من خاصتهم، وكل من أراد الخروج عن نهجهم فإما زنديق أو خارج عن جماعتهم، يريد تحطيم المقدسات والثوابت، وهناك ارتباط كبير بين الاستبداد السياسي، والاستبداد الديني، حيت يجعل الحاكم المستبد، من حاشيته كهنة يبيحون له جميع أفعاله ويدعون الناس إلى الصبر والطاعة، وتكريس الجبرية والقدرية، الشيء الذي يقتل في الكثير حس النقد والفهم والمعارضة.

ومن أمراض ثفافتنا العربية أن مثقفيها المعول عليهم في إحداث التغيير، نجد الكثير منهم ينظر في أبراجه العاجية، ويتركون التناقضات الحقيقة والأمراض الاجتماعية لمجتمعاتهم، بل الكثر منهم انسلخوا من ثقافتهم الأصلية وأصبحوا الناطقين الرسميين باسم الحضارة الغربية. المهم في هذا هو أن المسلمين لا بد لهم من أن يفهموا أن العالم يتغير، وأن لا مجال فيه لمن أراد الاستكانة لماضيه، والتشبث بذيوله، بل يجب أن نعيش روح العصر، وأن التخلف ليس قدرا ومحتوما، وليس هناك بابا واحدا لتقدمنا وإنما الأبواب متعددة ليست واحدة، ومواجهة الحضارة الغربية تبدأ من انتهالنا من العلم بكلتا يدينا.

حقا إن ما يحدث في عالمنا العربي هو مثل ذلك الشخص الذي أتى عند أحد النجارين ليصنع له بابا، وعندما رجع في اليوم التالي وجد الباب ولم يحد النجار، فأخد الباب ومضى في طريقه، فما كان على هذا النجار سوى أن يقتفي أثره فوجده في الصحراء، فبدأ بقرع الباب ويقول له افتح الباب والصحراء أمامه كلها أبواب. فعالمنا العربي يريد أن يدخل من باب وحيد، وهذا ما جعله يضل الطريق ويعيش خارج العصر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.