شعار قسم مدونات

أزمة الخليج والفجور العربي

blogs - مجلس التعاون الخليجي
من المخجل أن نضع أزمة الخليج موضع مقارنة، مع ما يجري من تنافس ألماني فرنسي، للحفاظ على دول أوروبا منعاً من تفككها، ففي الوقت الذي تسعى الدول الأوروبية إلى لملمة أوراقها وترتيبها بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، نجد على الطرف المقابل مجلس التعاون الخليجي يعلن خروج الرصاصة الأخيرة من بيته الداخلي، ليس على إيران التي تتربص لهم، بل على دولة عربية شقيقة.

حدث ذلك بشكل خُيّل لنا أنه مفاجئ، لكنه أمر مُدبر ومدروس على عجل، ما حدث أشبه بكارثة عربية مُخجلة بل هو إعلان ظهور الفجور العربي بوقت لا يتناسب مع الزمان والمكان المناسبين، لما يمر ُعلى المنطقة ككل من كوارث تُهدد العالمين العربي والغربي، الدول العربية أظهرت غسيلها للعلن وتم نشره بلا خجل، وفُتحت ملفات كان ممنوع التكُلم فيها، كل هذا جرى والمنطقة تسبح في الدماء منذ أكثر من ست سنوات من فعل طغاة العصر ومجرميه.

على وقع زلزال حدث يوم اجتمعت دولٌ عربية مطلع الشهر الحالي، وهي دولٌ راعية للإسلام، إلا أنها وجهت سهامها نحو جارة عربية مسلمة، وأعلنت عليها حرباً بلا دماء، فحصار قطر وقرار قطع العلاقات، روج له بتمهيد إعلامي من قنوات كنا نحسبها أنها تحترم أخلاق المهنة، تسابقت إلى تنفيذ مهمة لا تُحمد عواقبها على تاريخهم المهني، وبشكل دراماتيكي متسارع تسارعت الدول الشقيقة لتشكيل طوق حصار محاولين استنساخ "حصار غزة" لتحقيق هدف بعيد المنال.

عبر فهم لا سياسي ولا أخلاقي تتم محاصرة دولة عربية لأسباب لا تبدو منطقية، بل على العكس جاءت هذه الخطوة في الوقت الذي عززت إيران حلفها الصفوي ومد طريقها البري من طهران إلى لبنان.

وعن طريق الباطل يريدون إخضاع دولة تكالبوا عليها بلا رحمة أو هوادة، متناسين قوانين الجوار، وضاربين المنظومة الأخلاقية عرض الحائط ، فهو الفجور بعينه على دولة عربية في وقت ضائع يستنزف من رصيد الأمة العربية التي تعاني الأمرين من تكالب الفرس على الرقعة العربية وقضمها لبلدان اليمن والعراق والبحرين وسوريا ولبنان، كل هذا الفجور ظهر عقب انتهاء زيارة الرئيس الأمريكي ترمب للسعودية، وكأنه أوقد شرارة الفتنة بين العرب فجعل بأسهم فيما بينهم، ليعود الأخير بمليارات إلى واشطن تاركاً خلفه مصيدته التي وقع العرب فيها أنفسهم غير متطلعين لعواقب المستقبل، وخير دليل على كلامنا أن الخطوة الغبية التي جرت لا تدخل أبداً بأي علوم لسياسة الدول الخارجية وهي خطوة غير منطقية وغير أخلاقية ولا يمكن فهمها بتوقيت حرج تتعرض فيه الأمة لتكالب عالمي للسيطرة على خيراتها وهذا أصبح حقيقة ولم يعد يُخفى على أحد.

ولكن ما الذي جرى ولماذا كل هذا الفجور الإعلامي، الذي سيقود بشكل أو بآخر لتدخل إيران أكثر بشؤون الدول الداخلية، فما إن قررت الدول استمرار التصعيد حتى ظهرت إيران وكأنها دولة راعية للسلام وعرضت فتح الأبواب أمام قطر، كما أن روسيا وقفت بشكل مباشر إلى جانب قطر وهذا فهم منطقي لدول الاستبداد كروسيا وإيران أن يستغلوا كل هفوة عربية من شأنها أن تعزز مواقفهم في منطقة الشرق وإحراز نقاط تقدم على حليفتهم أمريكا.

يمكن فهم ما يجري جراء تشكل محور الإمارات أبو ظبي السعودية ومصر ومن لحقهم بتأييد قرار العزلة والمقاطعة جميعهم غير راضين على الدور القطري في دعم الثورات العربية، وهذه الدول ذاتها من استثمر بثورات الربيع العربي وضخت المليارات لخلق الثورات المضادة، نراها اليوم على سفح ساخن لمجرد اتخاذ خطوة إلى الأمام لتصفية حسابات كانت متوقفة بفترة الرئيس أوباما، وعبر فهم لا سياسي ولا أخلاقي تتم محاصرة دولة عربية لأسباب لا تبدو منطقية، بل على العكس جاءت هذه الخطوة في الوقت الذي عززت إيران حلفها الصفوي ومد طريقها البري من طهران إلى لبنان، فبدلاً من تأتي هذه الخطوة على إيران، نراه اليوم تضع مجلس التعاون على كف عفريت.

من المؤكد أن هذا الزلال سينعكس على كامل المنطقة العربية التي ستزيد من الشرخ الحاصل لها وهو الشيء الذي ستدفع ثمنه دول عربية أخرى ما لم تستحي من أفعالها المهينة خصوصاُ أنها أصبحت تعاقب شعوبها على كل من يتعاطف مع قطر بسجن 15 عشر عاماً.

يوم بدأ التجييش ظهر الكلام أن قطر تدعم الإخوان المسلمين، وهي دولة راعية لشخصيات إرهابية تحتضنهم، أظهروا تلك الملامح عن طريق فبركات واختراق لوكالة القناة القطرية قنا، لأجل نسب تصريحات للأمير قطر وصب الزيت على النار للوصول لمرحلة المحاصرة، هنا لو نسأل أنفسنا لماذا قطر وليس الكويت أو الإمارت، وما هي الخصوصية هنا لجعل قطر تواجه حلفاً عربياً، قرر تثبيت اتهامات لا تسمن ولا تغني من جوع، وبالنهاية يكون المطلوب هو رغبة جمعية عربية لتكون قطر دولة منزوعة السيادة، كل هذه الخرافات تسقط أمام الهدف الحقيقي لهذا المخطط العربي الغربي، مفادُه أن قطر رفضت الاعتراف بالانقلابات العسكرية ورفضت أن تكون دولة منزوعة السيادة وهي تعاقب اليوم لأنها لم تقف في صف الثورات المضادة ضد الربيع العربي.

إذاً ما يجري هو محاولة لتركيع قطر، ووضعها تحت الوصاية، وهذا من شأنه أن يحزّ بأنفسنا ونحن نرى فضائح الإمارات بدعهم لحفتر في ليبيا وتورطهم في انقلاب السيسي ودعمهم له، واحتضانهم لنجل عبد الله صالح ودعمهم للحوثيين، وفتح قنوات ومطارات كرمة لعيون الأسد في سوريا واستضافتهم لأبناء مخلوف وشاليش. إذاً حريُ بنا أن نسأل لماذا يتم التغاضي على بلاوي الإمارات لتتركز بعدها كل الجهود على محاصرة قطر، الجواب لأن هذه الدول لا تريد نجاح ثورات الربيع العربي فهي تؤمن بحكم العسكر الذي يقوض حرية الشعوب ويجعلها أداة مطواعة للسلطة وخدماً وجنداً لها.

ما حدث يبدو وكأنه من حفر حفرة لأخيه فوقع فيها، تعاملت قطر مع الأزمة بطريقة دبلوماسية وبموضوعية وهي إلى اليوم تحاول تفرض نفسها كلاعب دولي لا يستهان بها، وعلى الرغم من كل ما جرى من المؤكد أن هذا الزلال سينعكس على كامل المنطقة العربية التي ستزيد من الشرخ الحاصل لها وهو الشيء الذي ستدفع ثمنه دول عربية أخرى ما لم تستحي من أفعالها المهينة خصوصاُ أنها أصبحت تعاقب شعوبها على كل من يتعاطف مع قطر بسجن 15 عشر عاماً، (إنه فجور عربي بلا حياء).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.