هناك نوعان من المغاربة: مغربي يجتهد ليجد رأيا مبنيا على أساس علمي يستعرضه على مواقع التواصل الاجتماعي ويحاول أن يكون متمكنا منه حتى يساير به النقاش الذي يحتدم في التعليقات على مثل هذه المنشورات، والمغربي الذي لا يشغل محركات المنطق لديه، ويبقيها في سباتها العميق، ويمارس هوايته المتعارف عليها في مملكتنا " أتمسك برأيي ولو طارت معزة" وهذا النوع بالذات يرى في اكتشاف أبي البشرية المغربي إنجازا عظيما.
إنجازا سيجعل من ترامب وترودو وأوباما وميركل وماكرون بل وحتى كيم المجنون تابعين للمغرب بل وأبناء شرعيين لهذا القطر من الكوكب، فيتفاخر بكونه حقق أخيرا إنجازا يمنحه شرف اعتلاء قائمة ما في هذا العالم، وهو الذي تعود على أن يقبع المغرب في خواتم القوائم دائما، سواء في التعليم أو الحقوق الاجتماعية أو حرية التعبير.
السواد الأعظم من أحفاد جدنا البدائي، من الذين يفرحون لاكتشاف جمجمة عربية، وينسون آلاف الجماجم العربية التي تنتجها آليات الحرب والدمار في كل مكان اليوم. |
لا أسعى إلى أن أكون متشائمة، بل على العكس تماما، فأنا اليوم أقدم ما جادت به البشرية على هذا العالم، جدي الذي لا أعرف له إسما سوى إسمه العلمي (هومو سابيانس) منحني شرف حمل لقب "أقدم إنسان عاقل بدائي تم اكتشافه إلى الآن".
فهل يكون المغرب بذلك مهدا للبشرية؟ لا أرجو ذلك، لأنه وببساطة ستكون صدمتي قوية، أن نعيش قبل 300 ألف سنة معناه أن نكون قد حققنا شيئا ما لهذا العالم، ونحن فعلا قمنا بذلك، إلا أننا نادرون حقا، قلة منا تخلوا عن بدائيتهم المتوارثة وحلقوا في عوالم الإبداع وإيجاد أجوبة لمشاكل هذا الكوكب، ولهموم السواد الأعظم من أحفاد جدنا البدائي، من الذين يفرحون لاكتشاف جمجمة عربية، وينسون آلاف الجماجم العربية التي تنتجها آليات الحرب والدمار في كل مكان اليوم.
وكالمعتاد، فرحتنا نحن العرب لا تكتمل، فنحن متشبثون دائما بأصولنا ولا نرمي وراءنا ميراث أجدادنا، وهو ما حدث فعلا مع جدنا الموقر هومو سابيانس، كنا خير خلف له، وحافظنا على بدائيته، ولم نتخلص منها إلى الآن، فنم قرير العين يا جدي، فـ "الي خلف ما ماتش" على قول أهلنا في أم الدنيا.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.