شعار قسم مدونات

قصة الشيعة (3).. السياسة بأبشع صورها

مدونات - الشيعة

لقد عصفت الخلافات السياسية بالأمة الإسلامية بشكل كبير منذ مقتل عثمان -رضي الله عنه- وحتى اليوم. لكن ما ميز الخلافات السياسية أبان الدولة الأموية أنها كانت الأكثر قسوة بامتياز. لقد كان الصراع السياسي على أحقية آل البيت في الخلافة واضحا بشكل أكبر خلال عهد الخلافة الأموية من أي وقت مضى، فمنذ اللحظات الأولى بعد مقتل علي -رضي الله عنه- بدأ النزاع بين بني أمية من جهة ومناصري آل البيت من جهة أخرى حول الخلافة والحكم، ولا أقول هنا النزاع بين معاوية والحسن -رضي الله عنهما- فالقادة عادة لا يملكون اتخاذ القرار وحدهم بشكل مستقل كما يتوهم الكثيرون بل تحكم قرارتهم الكثير من القيود والمصالح والسياسة والعشائرية.

وكادت أن تحدث حرب لولا أن الحسن تنازل عن الخلافة لمعاوية، وذلك ربما لعلم الحسن أن جيشه غير متجانس وأيضا لرغبته في حقن الدماء استجابة لحديث جده عليه السلام. لكن الحسن اشترط أن تكون الخلافة من بعد معاوية شورى بين المسلمين وهذا ما لم يحدث. فما إن هدأ الصراع بعد الاتفاق على معاوية كخليفة حتى عاد مرة أخرى عندما قرر معاوية توريث الحكم لابنه مخالفا بذلك شروط الصلح التي تمت مع الحسن بعد وفاته. لقد كانت نية معاوية من التوريث أن يستقر شأن الحكم في العالم الإسلامي حتى لا تحدث الخلافات حوله فيما بعد، لكن هذا بالتأكيد لم يكن مقصد نفر كبير من بني أميه والذين صمموا على أن لا تضيع فرصة استمرار الخلافة والحكم فيهم فذهابها يعني أنها قد لا تعود أبدا لهم.

أدى مقتل الحسين إلى صدمة كبيرة للعالم الإسلامي فأنت تتحدث هنا عن سبط رسول الله وحبيبه خصوصا مع بشاعة عملية القتل. التي استنكرها جميع المسلمين دون خلاف، فلم يكن هناك آنذاك شيعة أو سنة حتى يختلفوا على جريمة بشعة كهذه

لكن معاوية تلقى رفضا شديدا لفكرة التوريث من قبل صحابة -رسول الله- وعلى رأسهم الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر. ورغم ذلك تولى يزيد بن معاوية الحكم فعلا بعد وفاة والده مما سبب في ظهور معارضتين للدولة الأموية أحدهما قادها الزبير الذي أسس دولة في الحجاز فيما بعد، والأخرى قادها الحسين -رضي الله عنه- والذي وجد فيه مناصرو آل البيت الفرصة مرة أخرى لتحقيق غايتهم السياسية في تولي آل البيت الحكم، فطلبوا منه موافاتهم إلى الكوفة حتى يبايعوه ويناصرونه على يزيد. لكن أهل الكوفة خذلوا الحسين عندما جاءهم فلم يقف معه أحد فكانت معركة كربلاء غير المتكافئة بين الحسين وأهل بيته من جهة وجيش وإلى الكوفة عبدالله بن زياد الذي عينه يزيد من جهة أخرى والتي استشهد فيها الحسين عام 61 على يد شمر بن ذي الجوشن أحد الخوارج الذي انضم إلى جيش الأموين مؤخرا ربما رغبة منه في قتل الحسين .

أدى مقتل الحسين إلى صدمة كبيرة للعالم الإسلامي فأنت تتحدث هنا عن سبط رسول الله وحبيبه خصوصا مع بشاعة عملية القتل. التي استنكرها جميع المسلمين دون خلاف، فلم يكن هناك آنذاك شيعة أو سنة حتى يختلفوا على جريمة بشعة كهذه. كما أدت بشاعة مقتل الحسين إلى صدمة كبيرة لدى آل البيت وأغلب مناصريهم فكان الرأي الغالب بالتوقف عن معارضة الأموين أو القيام بأي ثورة ضدهم حقنا لدماء المسلمين وسعيا للاستقرار. هذا الرأي أخذ به محمد بن الحنفية "الأخ الثالث للحسن والحسين" والحسن المثنى "ابن الحسن" وعلي بن الحسين الابن الوحيد للحسين الذي خرج حيا من معركة كربلاء.

فقد تفرغ علي بن الحسين للعبادة حتى عرف بالسجاد لكثرة سجوده وعرف بزين العابدين لكثرة عبادته. وسار على ذات الدرب ابنه من بعده محمد بن علي الملقب بالباقر لسعة علمه فقد كان عالما في التفسير وراويا للحديث ثم سار ابنه جعفر بن محمد أيضا على ذات النهج فقد كان عالما في الفقه درس على يديه الكثيرون من بينهم أبو حنيفة  ابن مالك.. لكن رغبة آل البيت تلك لم تمنع من ظهور حركات سياسية مناهضة للدولة الأموية ومؤيد لأحقية آل البيت في الحكم، كان أولها حركة التوابين التي قادها الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي والتي شارك فيها الكثير من أهل الكوفة الذين ندموا على خذلان الحسين في كربلاء فقرروا التوبة والخروج على الأموين عام 64. ورغم كثرة عددهم وحسن تنظيمهم فقد هزموا نتيجة كثرة جيوش الأموين.

ثم ظهرت بعدها أهم حركة معارضة كان لها تأثير على مجرى الأحداث وهي الحركة المختارية التي قادها المختار بن أبي عبيد الله الثقفي والذي كان مع الخوارج في بداية الأمر لكنه فجأة انتقل للحرب مع الزبير ضد الأموين في عهد يزيد، ثم بعد ذلك أبدى حبه للحسين بعد مقتله وأعلن عن رغبته بالثأر ممن قتله فاستغل بقايا السبئية وحركة عقائدية أخرى كانت تغالي في محمد بن الحنفية اسمها الكيسائية إضافة إلى بقايا التوابين، فقام بالاستيلاء على الحكم في الكوفة وقتل كل من اشترك في قتل الحسين مما أكسبه حب الناس.

قد أطلق المؤرخون على من خرج على جيش زيد بالرافضة لأنهم رفضوا أبو بكر وعمر. ورغم ظهور الرافضة وما نشره المختار من عقائد إلا أنها لم تكن ذات تأثير قوي وكانت محصورة في منطقة الكوفة.

استغل المختار حب الناس والسلطة التي يملكها في الكوفة فقام بنشر عقائد فاسدة بين الموالين لآل البيت فيها والتي كانت خليطا من عقائد السبئية والكيسائية وبعض من عقائد الخوارج التي كان يؤمن بها سابقا. فغالى في علي ومحمد بن الحنفية -رضي الله عنهما- وسب الصحابة وهو أول من تحدث بعقيدة الإمامة والعصمة بل إنه ادعى النبوة وكل ذلك ليحافظ على سلطته التي سعى لها.

لقد كان ظهور تلك العقائد وتغلغلها بين الناس في الكوفة سببا في إرسال الزبير لجيش بقيادة مصعب بن الزبير للقضاء على المختار وحكمه لكنه بالتأكيد لم يقضى على تلك العقائد التي نشرها والتي استمرت من بعده. لقد كانت تلك الثورات السياسية تتم دون موافقة من آل البيت بل وكانوا رافضين لها ولم يباركوها، حتى تلك الثورة الأخيرة التي قام بها زيد بن علي الأخ الأصغر للباقر عام 122 فرغم أنه كان من آل البيت لكنهم لم يدعموا ثورته إلا القليل.

لقد وجد زيد أن عليه واجبا في مناهضة حكم الأموين فقرر القيام بثورة عليهم في زمن هشام بن عبد الملك وأيده في ذلك أهل الكوفة لكن العقائد التي كرسها الثقفي سابقا كانت سببا في فشل الثورة، فعندما قام زيد بالثناء على أبو بكر وعمر خرج عليه الكثير من جيشه ولم يبق معه إلا القليل فكانت الهزيمة أمر لا مفر منه. وقد أطلق المؤرخون على من خرج على جيش زيد بالرافضة لأنهم رفضوا أبو بكر وعمر. ورغم ظهور الرافضة وما نشره المختار من عقائد إلا أنها لم تكن ذات تأثير قوي وكانت محصورة في منطقة الكوفة، فلم يعرف العالم الإسلامي آنذاك شيعة أو سنة بل عرفوا خلافات سياسية وعسكرية طاحنة ظهرت بأبشع صورها، فقد كان آل البيت محل خوف ورعب من قبل الأموين فهم الوحيدون القادرون على نزع الحكم منهم لحب الناس لهم فكانوا أكبر حزب سياسي معارض للدولة وكان لابد أن تتم محاربته بشراسة حتى لقد أدى بالبعض إلى تغير نسبهم خوفا وهربا.

لكن الأمور ستتغير بشكل كبير مع بداية الدولة العباسية. وللحديث بقية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.