شعار قسم مدونات

الاستراتيجية الوقائية من حصار قطر

blogs الأمير تميم
كل صاحب عقلٍ ومنطقٍ سليم قويم معافى حتى وإن خالف سياسات قطر في الشرق الأوسط في سوريا واليمن، والشمال الأفريقي في ليبيا، يدرك غرابة وتسرع وعدم مسؤولية القرار الذي اتخذته بعض دول الخليج أو بالأحرى الرئيس الأمريكي ترمب لحصار دولة قطر. في صراع الأمم القوية للدفاع عن أخطبوط أيديولوجياتها وما يتمخض عنه من هيمنة سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية وأخلاقية، يدفع صاحبُ كلِّ فكرٍ مضادٍ ثمن تفكيره ورغبته في التحرر والانفراد بما يملك من سيادة على المستوى المحلي والخارجي لا تقبل المساومة. وقد يكون الثمن نزع الدولة المتمرِّدة ثوب محاربة الإرهاب لتقطَّع لها ثيابٌ من نارٍ على مقاس الإرهاب العالمي ولا يُنَبِّئُكَ مثل خبير في صناعة الإرهاب كخبير منتجها.
 
لا يهم الحديث عن الدول المقاطعة لقطر لأن الحديث وإن كان فسيكون عن ترمب كمتخذ للقرار غير منفذ له. لكن الواجب على أقلام الفكر الإنساني الحر في هذه المرحلة الحرجة لدولة قطر أن تقدم ما يلزم من كتابات في سبيل خروجها من هذا الخندق الذي حفر لها أو من خنادق قد تحفر لها مستقبلا.

هل تنبأت دوائر صنع القرار في قطر بإمكانية وقوعها في حصار من شقيقاتها السعودية والإمارات والبحرين؟ ماذا فعلت قطر كاستراتيجية سياسية اقتصادية عسكرية وقائية لتتجنب الأضرار المحتملة في حالة وقوع ما وقع؟ ما مدى الطموح القطري في المنطقة وما عندها من إمكانيات سياسية واقتصادية وعسكرية لتحقيقه؟ وكثير من الأسئلة التي يُتوقع من قطر الإجابة عليها عمليا في مرحلة ماضية كاستراتيجية وقائية لسيِّئ احتمالات قادم الأيام.

السياسة التي ينتهجها الأمير تميم من عدم التصعيد أو المعاملة بالمثل تجاه البلدان المقاطعة، تعتبر استراتيجية حكيمة في حاجة لخطوات عملية استكمالية من الطرف القطري تأخذ بعين الاعتبار المحافظة على ما أنجزت قطر سياسيا واقتصاديا.

إنَّ من ينتظر من قطر أن ترد اليوم فهو ينتظر ردات فعل لاغير. كما أن ردات الفعل لا تكفي وقد لا توفق في حل الأزمات خاصة إذا لم تؤسس على استراتيجيات استشرافية درست من قبل. إنما المطلوب هو تدخل مراكز قطرية متخصصة تستشرف الأزمات وتعرض برامج عملية لتتجنبها أو تحسن التعامل معها. وهذا ماهو منتظر من قطر أن تفعله في الماضي قبل فرض الحصار عليها.

هل درست قطر استراتيجية بناء جيش قطري لا أمريكي ولا تركي يكون لها حاصنا من نيران الأخ والعدو وكلاهما في زماننا هذا عدو؟ هل استفادت قطر من تجارب الأمريكان والأتراك وكل من قد يساهم في بناء قوة قطرية عسكرية سيادية لا تحتاج إلى تدخل أمريكي أو تركي لإنقاذها من نيران أخواتها؟ إن الحديث عن استراتيجية تجنب قطر الاستنجاد بالحليف التركي ليس طعنا في تركيا. إنما من باب أنَّ كما لتركيا الحق في طلب السيادة والقوة والهيمنة يحق لقطر أيضا أن تطلب ذلك. كما أنها سياسة خاطئة من تركيا أن ترسل قواتها إلى قطر وطبول الحرب تدقها دولة الأكراد التي يريدون إنشاءها على حدودها كمستنزف لطاقاتها.

إن الحرب في سوريا وأزمة المهاجرين وغيرها قد تخفي ما تخشاه تركيا من سرطان يبث الفتنة بداخلها ويدخلها في صراع داخلي كما يخطط أعداء تركيا وقطر. كما أنه من الصعب على تركيا التضحية بعلاقاتها مع السعودية ودول الخليج الأخرى في سبيل علاقاتها مع قطر.

ما مدى استفادة قطر من العقول المهاجرة إليها واستغلالها في سبيل بناء منظومة اجتماعية متكاملة ومتجانسة وإن اقتضى الأمر تجنيس الدكاترة في الجامعات والمدراء والمهندسين في الشركات والأساتذة في المدارس والمؤسسات التربوية وكل النخب التي قد تساهم في بناء قطر سيادية لا تتدخل السعودية في سياستها الخارجية ولا تحتاج إلى جيش أمريكي ولا تركي لحمايتها؟ كيف توظف قطر اقتصادها البترولي والغازي في سبيل التأسيس لسيادتها واستقلالها في قراراتها وعلاقاتها الخارجية خاصة وأنها تمد دولا في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا؟

إن تهمة إيواء الإرهاب وتمويله التي ألصقتها بعض دول الخليج على قطر غير منطقية ولا بالحجة مبررة. وذلك أن صراع السعودية والإمارات ومصر مع تنظيم الإخوان لا يستوجب فرض نفس العدائية على قطر ضد الإخوان. لأن المتتبع لسياسة قطر الخارجية يجد أن الأخيرة لا تتعامل مع حركة الإخوان فحسب. بل تعمل على إقناع الحركات الإسلامية المسلحة بالحل السياسي كبديل للحل العسكري باستثناء المقاومة الفلسطينية. فحركة طالبان مثلا حاولت قطر إقناعها بالجلوس على طاولة المفاوضات واتخذت في ذلك خطوة عملية بإنشاء مكتب تمثيلي لطالبان في قطر ما اعتبرته الدول المقاطعة دعما وتمويلا للإرهاب. في حين تراه قطر محاولة لتجنيب طالبان العمل المسلح الذي وضعها على قائمة الإرهاب.

هل درست قطر حسن نيتها مع الإخوان وطالبان وما قد تسببه من سوء نية من البلدان المقاطعة؟ هل حسبت قطر لما قد تتمخضه سياساتها في سوريا وليبيا واليمن من ردات فعل دولية قد تتآمر عليها لإسقاطها؟

إن ما تمر به قطر اليوم من أزمة مع دول الخليج يعتبر اختبارا كبيرا لاستقلالها وسيادتها كدولة لا تقبل إملاءات الخارج. كما أن قادم الأيام ستجلب من الامتحانات الكثير، امتحانات درجتها من درجة طموح قطر.

إن السياسة التي ينتهجها أمير قطر الشيخ تميم من عدم التصعيد أو المعاملة بالمثل تجاه البلدان المقاطعة، تعتبر استراتيجية حكيمة في حاجة إلى خطوات عملية استكمالية من الطرف القطري تأخذ بعين الاعتبار المحافظة على ما أنجزت قطر في الحقبة الزمنية الماضية سياسيا واقتصاديا. كما أن طموح الشيخ تميم في أن تلعب قطر دورا محوريا في حل الأزمات في الشرق الأوسط الكبير يستوجب عليها استكمال مقوماتها كدولة قوية.

إن الاستراتيجية الوقائية التي يستوجب على قطر أخذها بعين الاعتبار هو الاستقلال التام في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية. لأن طلب قطر الاستقلال السياسي وعدم تدخل دول الخليج في قراراتها الخارجية وتعاملاتها الدولية قد تؤثر عليه القوات التركية إذا دخلت قطر. لأنه لا استقلال سياسي دون استقلال عسكري. إن الاستراتيجية الوقائية العسكرية لقطر هي العمل على تأسيس قوة عسكرية قطرية تحمي سيادتها السياسية والاقتصادية وتنفك بها حاجتها للقوات الأمريكية أو غيرها.

إن ما تمر به قطر اليوم من أزمة مع دول الخليج يعتبر اختبارا كبيرا لاستقلالها وسيادتها كدولة لا تقبل إملاءات الخارج. كما أن قادم الأيام ستجلب من الامتحانات الكثير، امتحانات درجتها من درجة طموح قطر. كان الله في عون قطر وتركيا ورزق الشيخ تميم وأردغان من العقول ما تنير به دربهم حتى تكون قطر وتركيا لبنة من لبنات عودة الأمة إلى مصاف الريادة في العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.