شعار قسم مدونات

هكذا تكلم ترامب

blogs ترمب والتغير المناخي
"دول الخليج لا تملك شيئا إلا المال، وهي من دوننا ليس لها وجود، سأجعلهم يدفعون المال"، هكذا تكلم ترمب، وبهذه العبارات المهينة وصف دول الخليج أثناء حملته الانتخابية، دول تجمعها روابط تاريخية وثقافية ودينية واجتماعية قوية ومصالح اقتصادية مشتركة، ومع ذلك لم يصدر أي رد فعل، سواء بشكل فردي معزول أو بشكل جماعي عبر مؤسسة مجلس التعاون الخليجي، أو عبر جامعة الدول العربية، ولو ببيان تنديد وقلق يشبه تلك البيانات التي تخرج بها القمم العربية حين يجتمع أصحاب الجلالة والفخامة ملوك ورؤساء الدول كلما حدث أمر جلل للأمة.

درات الأيام وأصبح ترمب رئيسا لأمريكا، وكان لزاما عليه أن ينكَب على تنفيذ وعوده، ففي عُرف الممارسة السياسية الحقيقية، هناك قيمة خاصة للوفاء بالوعود الانتخابية، بُعيد مرحلة جس النبض هنا وهناك، استعجل الرجل زيارة أرض الحرمين لحضور قمة إسلامية يثير فيها حُضوره كل التساؤلات الممكنة، مصحوبا بزوجته وابنته وألواح وصاياه ونبوءاته، ومنها الوصفة الجديدة للحرب على الإرهاب، اُستُقبل الرجل بحفاوة كبيرة في قصور فخمة، وبأثاث ربما أجج في نفسه المزيد من الطمع، بدأت القمة وانتهت بمشاورات ولقاءات وكواليس.

إن أمريكا تمارس إرهابا سياسيا كبيرا، وهي من تستحق المسائلة والمقاضاة بخصوص كل الحروب التي خاضتها في العراق وأفغانستان وقبلها بسنوات في الفيتنام.

كان البيان الختامي نسخة من البيانات السابقة مع بعض التعديل في الشكليات، لكن ترمب رجل الأعمال لم يكن ليكتفي بالصفقات السياسية التي جاء من أجلها فقط، فالمال له قيمة خاصة في فلسفة الرجل، نجح في التوقيع على عقود لبيع أسلحة للسعودية بمليارات الدولارات، وحده يعرف كيف ثمن صلاحيتها وجدواها، ولا نعرف حجم الصفقات غير المادية التي عقدها مع قادة الدول الأخرى التي يسعى قادتها لنيل رضا وبركة البيت الأبيض ولو على حساب إرثهم التاريخي والديني والقومي، فالأكيد أن كل رؤساء أمريكا يتقنون لغة الابتزاز وفن الترهيب والترغيب، وذلك عبر تسخير الكثير من المؤسسات الحقوقية والأممية والصناديق الدولية، والخلايا الاستخباراتية.

من أرض الحرمين الشريفين طار الرجل مباشرة إلى أرض الأقصى لزيارة اسرائيل، وهناك ليس للقصور معنى أو رمز، زار حائط البراق، ثم المتحف اليهودي بالقدس وليس بتل أبيب في خطوة رمزية قوية، يمكن اعتبارها أول هدية سياسية من ترمب لإسرائيل التي قال عنها أنها تشبه أمريكا لاعتبارات كثيرة، بعد إسرائيل وقبل أن تطأ قدماه أرض العم سام كانت وصاياه قد بدأت في التنفيذ هناك في الشرق الأوسط.

اتخذت ثلاث دول خليجية وهي السعودية والإمارات والبحرين وبشكل مفاجئ قرارا بمقاطعة دولة قطر، البلد الجار الذي يقتسم معهم روابط التاريخ والجغرافيا والدين والثقافة والأنساب، قرارا يمكن اعتباره من أغرب القرارات السياسية، نظرا لقوته وشموليته وسرعة اتخاذه وتوقيته، قرار يفتقد حتما لأي حنكة سياسية ولأي رؤية استراتيجية واضحة، كما يفتقد لأي احترام للمؤسسات التشريعية أو التنفيذية، كيفما كانت الأسباب.

الأسباب لم تكن أقل غرابة من القرار نفسه، فالسبب الأساسي كما يقولون هو دعم قطر للمجموعات الإرهابية، دعم حركة المقاومة حماس التي حاصرها الجميع في قطاع غزة ودعم جماعة الإخوان المسلمين التي تعاني الاضطهاد في مصر وكلاهما أفرزتهما صناديق الاقتراع، ولا توجد أي منهما في لوائح الإرهاب في أوربا أو حتى في أمريكا نفسها، الدول الثلاث التي اتخذت القرار ومعها دول أخرى اتخذت القرار عطفا كمصر التي تقدم الكثير من التنازلات مقابل التغاضي عن ملفها الحقوقي من طرف أمريكا وإنقاذ اقتصادها عبر الدعم السعودي والإماراتي المشروط طبعا.

وموريتانيا التي لم أفهم شخصيا عن أي مقاطعة تتحدث وهي أبعد البلدان العربية عن قطر وليس لها اقتصاد مؤثر حتى في محيطها الجغرافي، قرار فاجأ أغلب دول العالم باستثناء أمريكا التي أفصح رئيسها عما دار خلال فعاليات القمة الإسلامية حيث قال إنه كلما دار الحديث حول الإرهاب تشير الدول المشاركة إلى قطر، وأردف قائلا بأنه على قطر أن تتوقف عن دعم الإرهاب، وهو ما يؤكد أنه كان مهندس القرار، وما كان منهم إلا السمع والطاعة.

نجح في التوقيع على عقود لبيع أسلحة للسعودية بمليارات الدولارات، وحده يعرف كيف هي صلاحيتها وجدواها، ولا نعرف حجم الصفقات غير المادية التي عقدها مع قادة الدول الأخرى.

بعد أن شعرت سلطات البلدان المقاطعة لقطر باستغراب وامتعاض ورفض شعوبها للقرار الغريب، خرجت بقرار قضائي يتوعد بالعقوبة السالبة للحرية في حالة إبداء التعاطف مع الشعب القطري تصل لسنوات طويلة، في تعد صارخ لحق التعبير والرأي أو حتى لحق الشعور، ثم منع مشاهدة قنوات الجزيرة حتى في الفنادق بما فيها قنوات الجزيرة الرياضية التي تملك حقوق بث الكثير من المنافسات الدولية والإقليمية، ولا يهم من دفع وكم دفع مقابل جهاز الاستقبال ولا كيف سيتابع المنافسات.

الأكيد أن الأحداث تتسارع في الشرق الأوسط وتنذر بالأسوأ يوما بعد يوم، منذ خلق مفهوم الإرهاب، المفهوم الغامض الذي يستثمره كل رئيس أمريكي بطريقته الخاصة، دون أن يعي حكام العرب أن أمريكا تمارس إرهابا سياسيا كبيرا، وهي من تستحق المسائلة والمقاضاة بخصوص كل الحروب التي خاضتها في العراق وأفغانستان وقبلها بسنوات في الفيتنام وما تفعله في العراق وسوريا، ويبقى السؤال معلقا، إلى حين، متى سيعي القادة العرب أنهم أمام مسؤوليات تاريخية وأخلاقية تحدد مستقبل شعوبهم، ومستقبل الأمة ككل؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.