شعار قسم مدونات

هذا ما حدث عندما ألقى السيسي خطاب 30 يونيو

مدونات - مرسي والسيسي
أتعرف يا أستاذي الفاضل، لقذ ذهلت حقاً عندما وقع عيني علي ذلك السؤال في امتحاني للتاريخ، لقد سألتموني وأنا في امتحان الثانوية العامة: "ماذا يحدث لو لم يلق السيسي خطاب 30 يونيو؟"، لم أتوقع أن يأتي سؤال بهذا الشكل، لقد فاجئني السؤال وفاجئني توقيته وموقعه، لكننا في أول والآخر في امتحان وفي أمس الحاجة لكل درجة، وعليه فسوف أجيب وأترك لك تقدير صحة الإجابة:

إجابتي كالآتي..
أتعلم يا أستاذي أن لي خالاً قد استشهد في نكسة 67، رحمه الله لم أره ولا تتذكره أمي كثيراً فقد كانت لا تزال طفلة، ولكني أتذكر أحاديث جدتي -رحمها الله- عن استشهاده هو وكل زملاءه حينما كانوا علي جزيرة تيران في البحر الأحمر، حينما كانوا يحمونها من العدو الإسرائيلي، أو من كان عدو.

لقد قالوا إنها هجرة غير شرعية وهم من أخطأوا، لكنهم لم يقولوا لماذا أخطأوا، لماذا غامروا بأرواحهم واغتربوا من أجل مجهول، نعم هي هجرة غير شرعية لكن هل بقائهم في أوطانهم جوعى ومرضى وحزنى هو الشرعي؟!

وفي اليوم الذي أري سؤالكم هذا في امتحاني، يكون برلماننا المصري الذي جاء بعد أن ألق السيسي خطاب 30 يونيو يصادق علي إعطاء تلك الجزيرة وجارتها إلى السعودية .إذا هنا يأتي السؤال، لم استشهد خالي إن لم تكن تلك أرضنا، ولما كان يحميها ولم يحميها السعوديون، إذا هل مات خالي شهيداً دون أرض غيره!! لقد أردت يوماً أن ازور تلك الجزيرة لأري أين رحل خالي، هل يجوز لي الزيارة أم أحتاج إلى موافقة المملكة لأري قبر خالي.

لو لم يلقي السيسي خطابه، اعتقد أن أخي كان ليقضي رمضان بيننا الآن لا في زنزاته القذرة في ذلك السجن المعتم البعيد ينتظر حكماً بالإعدام هو وأصدقاءه الخمس، أنا لا أفهم في السياسة، ولكن كل ما أعرفه أن أخي قد اختطفوه أو اعتقلوه، وبقينا لشهور نبحث عنه ولا نجده، ولا نعرف له طريق، إلى أن أخبرونا أنه في ذلك السجن سيئ السمعة، وعندما تسألنا لما أخبرونا أن التهم الموجه إليه أنه قام بما لا يقدر عليه الرجل الخارق، لا تتعجب فمن يتم اتهامه بقتل العشرات وحرق السيارات واستخدام المتفجرات وتهديد أمن الدول والشروع في أمور أخرى في قائمة لا تنتهي.. فلابد أن يكون رجل خارق.

أعتقد أنه لو لم يلق السيسي خطابه لكانت أختي وزوجها وأبناؤها مازالوا أحياء؛ زوج أختي كان عاملاً بسيطا يعمل بزراعه ليكسب قوت يومه هو وأبناؤه وزوجته، ولكن الأوضاع الاقتصادية في مصر بعد أن ألق السيسي خطابه أصبحت في غاية السوء، لم يعد زوج أختي قادراً علي سد جوعه وجوع أطفاله وزوجته، لم يعد العمل متاحاً وضاقت في عينيه الأرض بما رحبت ولم يعد أمامه إلا ذلك الطريق الذي أوله ندامة وآخرة لا يختلف عن أوله.

لم يجد زوج أختي في بلاده حلاً، فقرر الهجرة من تلك البقعة، تطلع إلى الطرق التي اعتادها المصريون، لكن ليبيا لم تعد كما كانت والعراق بها ما بها، والخليج لا يتوقف عن تهجير المصريين إلى أرضهم، فقرر الرحيل إلى بلاد لا يعرفها ولا يدري عنها غير اسمها. باع درجته البخارية ومصاغ أختي الزهيد وأثاث بيته البسيط، باع كل ما يملك في تلك الحياة وركب هو وأختي وأبناؤهم تلك المركب المهترئة من على سواحل رشيد، كانت وجهتهم أوروبا، لكن مستقرهم صار في قاع البحر.

ماذا كان ليحدث لو لم يلق السيسي خطابه أيضا؟ أعتقد أن دواء أمي كان لايزال متاحاً، ومن الوارد أن معاش أبي كان ليكفينا، وراتب أخي كان ليعيننا، كان من الممكن أن أحلم بالمستقبل وأفكر فيه..

لقد قالوا إنها هجرة غير شرعية وهم من أخطأوا، لكنهم لم يقولوا لماذا أخطأوا، لماذا غامروا بأرواحهم واغتربوا من أجل مجهول، نعم هي هجرة غير شرعية لكن هل بقائهم في أوطانهم جوعى ومرضى وحزنى هو الشرعي؟!، رحم الله أختي وزوجها وأبناءها.

ماذا كان ليحدث لو لم يلق السيسي خطابه أيضا، أعتقد أن دواء أمي كان لايزال متاحاً، ومن الوارد أن معاش أبي كان ليكفينا، وراتب أخي كان ليعيننا، كان من الممكن أن أحلم بالمستقبل وأفكر فيه..

هل عرفت يا أستاذي ماذا كان ليحدث لو لم يلق السيسي خطابه؟! ليته لم يلقه، ليته صمت، ليت ما صار لم يصر. لا أعرف إن كانت تلك الإجابة هي الإجابة الصحيحة، لا أدري إن كانت تلك هي الإجابة النموذجية التي أحصل بها على الدرجة النهائية، ولكن تلك إجابتي، ولا تكترث كثيراً بالعلامات فقد قالها السيسي بعد أن ألقى خطابه "يعمل إيه التعليم في وطن ضائع".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.