شعار قسم مدونات

علاج نفسي بتفسير حلم عابر

blogs - dream
اهتم الإنسان منذ بدء الحياة بتفسير الأحلام، فكان الإنسان البدائي يرى أن السبب وراء ما يُرى في المنام صور قادمة من عالم فوق الطبيعة، لذا كانوا يهتمون بها لعلها توصلهم بطريقة أو بأخرى إلى عالم الغيب، أو يعرفون من خلال تفسيره ما يخفيه لهم القدر، وهذا ما كان يعرف حينها بالعرافة.

ولم تختفي تلك الفكرة عن الأحلام إلى الآن، فآراء الناس بما يخص ذلك انقسمت إلى قسمين، قسم يرى الحلم مما يشغل النفس كأن يحلم الجائع بوجبة كبيرة من طعامه المفضل، وأما القسم الآخر يرى أن الحلم قفزة إلى الغيب، فيأتي ببشارة أو نذير أو حتى رؤيا واضحة سيتحقق كل ما فيها دون الحاجة إلى تأوييل أو تفسير، وهذا كما نعلم ما اختص به الله تعالى الأنبياء والصالحين والأولياء. لكن ماذا عن الأحلام التي نشك بغرابتها بتداخلها واضطرابها والتي نظن أنها تفلت من كل تفسير تحت مسمى أضغاث أحلام ؟!

لكل منا جانب مظلم نخفي فيه خوفنا المحظور، غضبنا، ورغباتنا، ومشاعرنا الغير مستقرة، والعديد من الأشياء، يدفن هذا كله بالعقل اللاواعي أو العقل الباطني، على هيئة عدو كامن. فهل من الممكن أن نخرج هذا العدو من لا وعينا ونواجهه بالوعي؟

بأحلامنا نستطيع تشخيص أنفسنا، فهي طريق لفهم الماضي من خلال العلامات والأعراض التي يظنها الناس بلا معنى، فكم من التجارب والأنشطة والكلمات مررنا بها، ثم تجسدت بشكل أو بآخر في حلم عابر!!

الفيلسوف أرسطو كان أول من أتى بفكرة ربط الأحلام بالجانب النفسي للفرد، فبرأيه أن الأحلام لم تكن رسائل وردت من الآلهة بل نشاط نفسي يصدر عن النائم.. من الممكن أن يستقل الحلم عن واقعنا فنعيش من خلاله قصة جديدة لكن من المؤكد أنه لن يكون استقلالاً كاملاً، فمهما بلغ الحلم من الغرابة لا بد أن يكون أساسه استعارة ما من واقعنا، مثلا كأن نرى شيء نعتبره لغزاً محيراً لكنه بالواقع عبارة عن ذكرى منسية من عالم الطفولة أو ما شابه.

قد يلجأ البعض في تفسير أحلامهم إلى منهج ثابت يكون أقرب ما يمكن إلى قاموس متوارث كأن يكون للخطبة في الحلم معناها أو للزواج معناه دون النظر إلى الجانب النفسي للحالم.. ولعل أهم إنجازات سيجموند فرويد، كانت الكشف عن الجانب النفسي للحالم وربطه بمحتوى الحلم، فكان منهجه في تفسير الأحلام منهج علمي يعتمد على الفطنة والدراسة..

خلال فترة شباب فرويد بدأت الأحلام تفقد طبيعتها الأسطورية، كأن تحمل تحذيرات عن كوارث وشيكة، فركز على ما هو أكثر أهمية من خلال إيجاد طريقة للتعامل مع الماضي ورموزه، اذ تبدأ هذه الرموز بالاختفاء وتظهر بالحلم بحيث يكون لها معنى، أو بمعنى آخر أجبرنا على التعرف على قوة اللاوعي بالتأثير وبشكل مباشر على اضطراب النفس.. وبهذا أثبت في كتابه تفسير الأحلام أن هناك صلة مباشرة بين ما تضطرب به نفوسنا أو ما يشغلنا بتفسير أحلامنا، وقدم للقراء نافذة لمعظم أسرارهم النفسية.

اقترح فرويد أن الغرض من أحلامنا إرضاء رغباتنا الشديدة من خلال الخيال، تلك الرغبات التي يحكم عليها المجتمع بأنها غير مقبولة.. وتوصل إلى تلك النتائج من خلال العمل على مجموعة من الشابات المصابات بالهستيريا، واكتشف أن ردة فعل المريض تكون ناجمة عن صدمة نفسية تم نسيانها منذ فترة، وما أن يبدأ المريض بسرد حلمه حتى يظهر له أن الأحلام تعكس أموراً مدفونة بالنفس.. وهذا معناه أن المشاعر التي لا يعبر عنها قد تقود إلى مشاكل، وأن كل حلم هو تلبية لرغبة مخبأة، ذلك لأن كل ما هو موجود في اللاوعي قد يكون مرتبط برغبات أساسية..

قوانين المنطق التي تتحكم بعالم الوعي لا تتحكم بملكة النوم، لذلك نستطيع تجربة أي شيء أو أي تجربة خيالية بأحلامنا، وبهذا رأى فرويد أن تحرر هذا الخيال هو الطريق إلى اللاوعي.. لكن لماذا يأتي الحلم على هيئة رموز مشفرة أو لغز يحتاج إلى حل؟ بدلاً من تجسيد الرغبات بشكل واضح وصريح؟!

اقترح فرويد أن الغرض من أحلامنا إرضاء رغباتنا الشديدة من خلال الخيال، تلك الرغبات التي يحكم عليها المجتمع بأنها غير مقبولة..

لو تخيلنا مثلا أننا حلمنا برغباتنا محققة حرفيا كما نريد، سينتج عن ذلك عواطف قوية توقظ النائم، ولهذا يعمل جزء من الدماغ يسمى الرقيب بتحويل محتوى الحلم ليخفي معناه، وهذا ما أطلق عليه فرويد الـ (Dream work)، بحيث تمر العواطف في هذا التحول بعدة مراحل، وقد تجتمع أكثر من فكرة في رمز واحد.. ثم تتصل تلك الرموز مع بعضها البعض لتأخذ شكلاً مقبولاً له معنى مشفر وهكذا يكون الحلم.. لذا من المؤكد أن عملية تفسير الأحلام تعتمد على فك شيفرة هذه الرموز والحصول على المعنى الخفي وصولاً إلى ما وراء ذلك المعنى، وهذا ما جعل فرويد يهتم بالحياة الحالمة، ففي كل حلم هناك قصة أكثر مما تراه العين في لحظات، شيء كامن خفي..

تمثلت وظيفة فرويد بإخراج معنى من شيء لا معنى له، وكانت الأحلام طريقه إلى اللاوعي، كأنه لغز استطاع كشفه بالكامل ليصل إلى أعماق النفس البشرية، وبالتالي علمنا أن نهتم بالمشاعر والأفعال التي نعتقد أن لا معنى لها، عندها سنكون في مواجهة مع نفسنا البدائية، وهذا يدل على ضرورة الانتباه لمسؤولية وسلوك اللاوعي..

بأحلامنا نستطيع تشخيص أنفسنا، فهي طريق لفهم الماضي من خلال العلامات والأعراض التي يظنها الناس بلا معنى، فكم من التجارب والأنشطة والكلمات مررنا بها ولم نعرها أي أهتمام، وتجسدت بشكل أو بآخر في حلم عابر!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.