شعار قسم مدونات

حصار قطر.. الخطوة الأخيرة للثورة المضادة

blogs - الأمير تميم

الربيع العربي لم يكن ثورات الجياع، والمظلومين في منطقة العرب، بقدر ما كان اكتشافا للذات، واستجلابا للهوية التي انطمست في ظل الاستبداد السلطوي الذي اعتلى مراكز القيادة السياسية منذ سقوط دولة الخلافة في بدايات القرن الماضي، والمرتكز على مفهوم القومية العربية.

وجدت هذه الثورات مصالحة عميقة بين ما يعتقده أبناء هذه الأمة عن الهوية التاريخية للمنطقة المندمجة بين العروبة والإسلام، وبين السياق الواقعي الذي يعيشونه؛ مما دفع الدول الاستبدادية ومن ورائها القوى العالمية إلى استيعاب هذه الهزة الأرضية التي أحدثها الشباب في ركود التبعية، والانسياق وراء العنصر الخارجي، حيث تبين دور هذه القوى واضحا في إسقاط أول تجربة ديمقراطية في التاريخ المصري، والانقلاب على تطلعات الشعوب في الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، والحق التاريخي في استلهام الدور الحضاري لهذه الأمة، وذلك بضخ مليارات الدولارات لإعادتها إلى حضائر الذل، والاقتناع بالواقعية المفروضة عليها بقوة البنادق، والمدافع، مع استنساخ لذات الدور في ليبيا، واليمن وترك الثورة السورية للمليشيات الطائفية، توغل فيها بوحشية تعجز الخيال الإجرامي.

أربكت هذه المخططات الحلف التركي القطري الذي اتخذ من تطلعات الجماهير، والدفاع عنها مبدأ لا يمكن التزحزح عنه في وجه الحلف الآخر. بات المشهد أكثر تعقيداً في ظل التغيرات الجيوسياسية، وتباين المصالح في المنطقة، فمن جهة تطلعات الشعوب المتمثلة في الديمقراطية، والعيش في كنف الحرية وممارسة فضائلها، ومن جهة أخرى الدور الإيراني الذي أجبرته الثورات للانتقال من سياسة السيطرة الناعمة إلى السيطرة العسكرية، عبر أذرعه في المنطقة من مليشيات حزب الله، والحوثي والحشد الشعبي العراقي.

قطر ليست المقصودة الوحيدة من هذه الحملة، لدعمها حركة حماس المقاومة، بمنطق التاريخ والطبيعة في الدفاع عن كيانها وأرضها ضد قوى الاحتلال

أما مصر التي أغرقتها السعودية والإمارات بملياراتها، بدت عاجزة عن تحريك عجلة التنمية الاقتصادية؛ مما أخذ بمصر إلى منعطفات حرجة، نقلت مصر من دولة ذات ثقل جيوستراتيجي إلى دولة تستجدي من يخبرها حقيقتها المتمثلة في إنها دولة فقيرة معدمة. إن أكثر ما يخيف الخليج هو الدور الإيراني في المنطقة الذي فتحت أمريكا له الباب مشرعا؛ للتغلغل في المنطقة ابتداء من العراق فسوريا فاليمن، وعلاقتها الوطيدة مع سلطنة عمان.

الحد من هذا الدور الإيراني الطموح لن تكفيه المليارات التي حملها ترامب في حقائبه، بل يريد أيضا دفع السعودية، الدولة التي تمثل ثقل المسلمين بما تملكه من مكان دينية في قدسية الحرمين إلى التطبيع مع إسرائيل، مقابل ضمان أمريكي بعدم وصول طهران إلى الخليج، والحفاظ على أمنه، وهذا ما يراه ليبرمان ضرورة استراتيجية ملحة للتطبيع مع الدول الإسلامية المعتدلة، ثم الانتقال للسلام مع الفلسطينيين، لكن ما يجعل هذا التطبيع أكثر كلفة بالنسبة للسعودية والإمارات ومصر ثلاثة مكونات أساسية:

أولها: الإسلام السياسي المتمثل بالثورات العربية الشعبية، والمختصر في حركات المقاومة حماس، والحركات المعتدلة التي مازالت تؤمن بعودة هذه الثورات إلى طريقها الصحيح، وذلك بالتغلب على الثورات المضادة والحركات الوطنية التي ترفض الاستبداد، والوصايا الخارجية.

ثانيها: المؤسسات الإعلامية التي تتكلم بما يجول في فكر، وأحلام الشعوب، التي ما انفكت في فضح مؤامرات الثورات المضادة، والدول الداعمة لها، وفي مقدمتها قناة الجزيرة.

ثالثها: المفكرون الإسلاميون والوطنيون وما يحملونه من أفكار ونظريات؛ لإخراج هذه الجماهير التائه من مخاضاها العسير.

ما كان يدور خلف الكواليس اليوم بات مذاعا على الملأ، حيث جاءت الرسالة من محور الانقلاب على الصحوة العربية، والمجبر على تمرير آلية التطبيع في المنطقة إلى المحور الحاضن للانبعاث العربي بالتخلي عن الشعوب وإلا الجوع والحصار مصيركم ليكون الجوع والحصار مصيرهم حتى يفيئوا إلى أمر كان مقضيا.

الخيار المستبعد لقطر، هو اللجوء إلى إيران لأنه سيكون بمثابة حصان طروادة للتدخل الأمريكي المباشر في قطر بحجة حماية مصالحها وقواعدها في الخليج

فقطر ليست المقصودة الوحيدة من هذه الحملة، لدعمها حركة حماس المقاومة، بمنطق التاريخ والطبيعة في الدفاع عن كيانها وأرضها ضد قوى الاحتلال. الحركة الإرهابية في منطق من يريد إسقاط أي مقاومة للحلف الذي بشّر به ترمب أثناء زيارته للرياض، وإطلاق مبدأ ترمب من الرياض "إن لم تكن معنا، فأنت داعم للإرهاب".

بعد فشل الانقلاب في تركيا، جاء الدور لحليفتها المتطابقة معها تماما في المبدأ والثوابت، في الدفاع عن حقوق الشعوب، فالحملة الإعلامية ضد قطر وربطها بالإرهاب بمباركة ترمب، والتصعيد في خنقها اقتصاديا، وسياسيا؛ يجعل من الأزمة قضية وجودية، تسير في خطوط متوازية لا يمكن أن تتقاطع وتحتم الأرضية الصفرية في حل الخلافات، وتجعل من الوساطات التي تجري ليس لإيجاد نقاط تفاهم مشتركة بل لإخضاع طرف لآخر. 

ما تخبئه الأيام القادمة، هو قدرة قطر على التحمل، والصبر، والمناورة بما تملكه من قوة اقتصادية في تجاوز المحنة، و صدق تركيا في الدفاع عن قطر إذا ما تعرضت لعمل عسكري. ويبقى السؤال الأكثر إلحاحا ماذا لو كانت أمريكا التي تبدو متناقضة في تصريحاتها بين المؤسسات الحكومية وتغريدات ترمب، تريد تركيع قطر، وإرغامها على تبني سياسية متماشية مع السياسة السعودية، والإماراتية التي تتسق تماما مع فكر ترمب المكتشف للإرهاب بتعريفه الجديد، والذي تدعمه قطر في المنطقة.

عظيم ما أخشاه أن يكون الجميع قد فقدوا خيوط اللعبة السياسية، والدبلوماسية، وما يتبنوه من أدوار، وتصريحات، ما هي إلا مخطوطات ليس لهم حق فيها إلا التلاوة والتصديق

أما الخيار المستبعد لقطر، هو اللجوء إلى إيران لأنه سيكون بمثابة حصان طروادة للتدخل الأمريكي المباشر في قطر بحجة حماية مصالحها وقواعدها في الخليج.

إن الأمر لجلل والمخططات الخارجية لتدخل بمنطقة الخليج باتت تنتظر لحظة الصفر، وذلك بتقسيم المنطقة وإشعال نزاعات أهلية لا تنطفئ بقوادم السنين؛ لزعزعة استقرار منطقة الخليج التي بدت متماسكة قبل إعلان المقاطعة، وسد أبواب التراحم والتواصل، إذا ما استدركت السعودية انحدارها في التبعية لسياسة الإمارات العبثية وهرولتها خلف الوعود الأمريكية الزائفة، فالجميع سيحترق وليس هناك استثناء، وربما ستكون جولة سليماني القادمة في السعي بين مكة والمدينة.

 

وعظيم ما أخشاه أن يكون الجميع قد فقدوا خيوط اللعبة السياسية، والدبلوماسية، وما يتبنوه من أدوار، وتصريحات، ما هي إلا مخطوطات ليس لهم حق فيها إلا التلاوة والتصديق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.