شعار قسم مدونات

جلسات الصمت

blogs - mobile
في الجمعات العائلية، غالباً ما يكون الصمت هو سيد الموقف في كل اجتماعٍ عائلي كبير، نغيب لفترات طويلة عن الأقارب والأهل وبعد فترة الانقطاع هذه تجتمع الكراسي لا الأذهان، والهواتف لا الألسنة والكلمات. إن العالم الافتراضي الذي تقوقعت عقولنا فيه، والأحداث المتسارعة التي تدور من حولنا جعلتنا غير قادرين على اختلاق الأحاديث حتى مع من نحب.

بات من الصعب علينا التفكير بغير هذا الجهاز الصغير الذي لا يلبث إلا أن يكون في حوزتنا في كل وقت وحين، لا ننكر أبداً أن التواصل الافتراضي هذا قد حل الكثير من المشاكل وكان دالاً على الخير والمواقف الإنسانية في كثير من الأحيان، إلا أنه استطاع وبكبسة زر واحدة إسكات ألسنتنا حتى الـ"مالانهاية"، وإن أذن لها ونطقت تحدثت عن أخر صورة نزلها فلان، وعن التغريدة الجديدة لعلان، وكأن أكبر همومنا الآن هو معرفة أخر أخبار من تزوج من الممثلين.

إننا في عالمٍ مليء بالمآسي، وبحاجة ماسة للتخفيف عن أنفسنا بالحديث والمشاركة، الجلوس في ليلة نصفية مع من نحب، والحديث قد يكون كفيلاً لدفعك للأمام لسنة أو سنتين وحتى للعمر كله، قصص التاريخ وتفاصيلها لن تكون قادراً أن تحصل عليها كما ستفعل عند محادثة "الحجي". نحن بحاجة فعلاً أن نكون قادرين على التعبير أمام الملأ عن أفكارنا ومعتقداتنا، والتفاعل مع المجتمع الذي نحن جزء لا يتجزأ منه، فمهما حاولنا نبقى بحاجة ماسة لهذا التعبير اللفظي للتخفيف من أعباء أنهكت أذهاننا.

نحن بحاجة فعلاً أن نكون قادرين على التعبير أمام الملأ عن أفكارنا ومعتقداتنا، والتفاعل مع المجتمع الذي نحن جزء لا يتجزأ منه، لما لهذا التعبير اللفظي من تخفيف لأعباء أنهكت أذهاننا.

وبالرغم من هذا، لا يزال هناك العديد من الفرص لتجديد أفكارنا هذه، الجلوس مع كبار السن كان ولايزال وسيظل حتى الأزل، هو الحبل الذي يشدنا للتمسك بقدرة هذه الأفواه على الحديث، أدرك جيداً أهمية هذا الأمر وتأثيره علينا، ليس من الناحية الاجتماعية فقط، بل من الناحية النفسية وإراحة الأعصاب على حد سواء، فهذه الهبة الربانية لنا لم تخلق عبثاً، لقد خلقت لتخدم هذه الأرواح القاطنة في دواخلنا، لابد من إدراكنا لأهمية ذلك، فما فائدة الجلوس مع الوالد والوالدة وأنت لا تنطق بكلمة واحدة، من وجهة نظرٍ شخصية أقول "لا منك ولا من قعدتك".

لقد خلقنا بشرا، ولن نكون يوماً "روبوتاً" يقوم بوجباته فقط، فكما لنا من واجبات لأبداننا وأرواحنا علينا حق أيضاً، حق في المتعة الكلامية التي لا يضاهيها ألف منشور على شبكات التواصل الاجتماعي. الحديث إنما هو راحة ومطلب روحي تأمرنا به أنفسنا بشكل أو بآخر وإنه شئنا أم أبينا يعتبر مركزاً تتمحور حوله صقل شخصياتنا وبنائها حتى نكون قادرين على صناعة مجتمع أفضل وعالمٍ يستحق أبناؤنا أن يعيشوا فيه بشكل أفضل مما نحن عليه الآن على الأقل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.