شعار قسم مدونات

الرجم بالكلمات

blogs قراءة
"اقرأ" هي الكلمه الأولى، وهي التي ترافقنا إذا أردنا المعرفه وفهم ما لم تستطع عقولنا فهمه من النظرة الأولى، من منا لم يقرأ نصا جميلا وانتشى به حد السديم؟ بعض النصوص تلوكها على عجل، تتحرق الوصول إلى خاتمة المقال، وبعضها تمضغها على مهل، خوفا من أن تصل إلى النقطة في آخر السطر.

غالباً، لا (مدح مادح) ولا (قدح قادح) يشكل ذو أهميه بالنسبة لي، ولكن أحيانا ثمة كلمات حين تقال تخلد في زوايا الذاكرة، تستوطنها. أذكر رسالة وصلتني في إحدى ليالي الشتاء، قلبت مزاجي المتعكر إلى النقيض، رسالة لازلت أحتفظ بها في صندوق الوارد حتى الآن. قالت إحدهن لي: كلماتك تشبهك تماما.. كريمة مثلك تعجبني عفويتك في السرد تجيد رسم مشاعرك على الورق، تجيد إرسال سرب أحاسيسك وجميل أفكارك ليعبر عنك.

كلــماتك لها حواف حادة، وفيها أرقى ما في الإحساس من مشاعر، فيها عطر لغوي عتيق، وصور بلاغية آسرة، يهيئ لي أحيانا أن كلامك قصيدة واقفة بشموخ لا حاجه لها لأحد. تعرف كيف تأخذ طريقها إلى قلوب قارئيها. ما إن أقرأ لك، تتناوب على ذاكرتي صور العابرين في حياتي بشتى أصنافهم وباختلاف طباعهم، كلماتك العذبة تأخذني للطفولة، تذكرني بالمطر الساقط على أكواخ الصفيح في يوم ممطر، وقتها كان إحساسي لا يوصف. تماما كإحساسي حين أقرأ لك.

لا يجوز أن نضع الناس في قوالب جاهزة، قد تكون الكتابة هي الصوت الجريء لكلّ من يخجل من البوح المباشر. لذلك يوكل قلمه ويعطيه حق الترافع عنه.

سألت… وأحيانا ثمة أسئلة حين تُطرح تضعك في وضع لا تُحسد عليه، أتاك السؤال، وقاك الله شر ما قد أتاك، فاجأني سؤال موجه لي من أحد معارفي، سألني فيه عن سبب استشهادي بالفلاسفة؟ ولماذا أسلوبي في الكتابة تفوح منه رائحه الغرب والتأثر به؟ سأخبرك يا محدثي.

لقد أبحرت كثيرا في كتب الفلسفة من عهد طاليس حتى فتجنشتين، وكأي كتاب نأخذ منه الجيد ونرمى الرديء منه وأؤمن بمبدأ قراءة الفلسفة في المخلوق وليس الخالق عز وجل. يا محدثي، لا تدفن رأسك في الرمال، رأسك ليس عوره، خلق لتستخدمه، فـمثلما تقلّب الأشياء المعلبة لتنظر في تاريخ انتهائها، ما المانع إذا قلبت الأفكار قبل أن تهضمها، فــ لربما كانت أفكار انتهت صلاحية استخدامها.

بدلاً من أن نتبادل الرجم بكلمات كـ (كافر، زنديق، علماني، ليبرالي) ونظل ندور في فلك الرجم بالكلمات  سأحدثك عن شخصية (روجر بيكون) المفكر والفيلسوف الإنجليزي، وهو أحد أوائل الأوروبيين المنادين بالطريقة العلمية الحديثة المستلهمة من أعمال العلماء المسلمين، الذي دعا للتجربة العلمية ودعا إلى الاختراع والإيمان.

اتهم  بيكون ( بالإسلام ) لأن المسلمين كانوا في ذلك الوقت دعاة العلوم، فكانت كل فكرة جديدة تعزى إليهم ويتهم قائلها بالكفر لهذا السبب، أي أنه أخذ بعادات المسلمين في التفكير، ولابد أنه آمن كذلك بدينهم  حتى ( جان دارك ) القديسة والقائدة العسكرية الفرنسية التي حاربت الإنجليز وطردتهم من فرنسا، عندما قالت بأنه يجب ألا يكون هناك وسطاء بين الإنسان وربه (( مثل الكهنة )) اتهمت أيضا بالإسلام، إذا ليس في الإسلام كهنة.

بعض النصوص تلوكها على عجل، تتحرق الوصول إلى خاتمة المقال، وبعضها تمضغها على مهل، خوفا من أن تصل إلى النقطة في آخر السطر.

 لا يجوز أن نضع الناس في قوالب جاهزة، قد تكون الكتابة هي الصوت الجريء لكلّ من يخجل من البوح المباشر. لذلك يوكل قلمه ويعطيه حق الترافع عنه وتمثيله والتعبير عنه. تعددت الأقلام فمنهم من يحرِّر ليبرر، ومنهم يقرر وغيره يغرر، وذلك يجاهد على أن يمرر وأن لا يقلد من بات يكرر. معروف أن القراءة تعطى شعورا بالفهم، والكتابة تختبر صحة هذا الشعور.

الكرم فضيلة في بث المعارف لمن تعرف ومن لا تعرف، والسخاء في استغراق ثمين الأوقات لا فضولها وتقديم ديباجة نافلة منك، والإخلاص يتمثل شهورا من القراءة والكتابة، وحيدا بلا رياء، اقرأ وربك الأكرم. وإن لم تكن نورا فذره ينفذ من خلالك ولا تمنعه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.