شعار قسم مدونات

أسمعتَ يوماً عن مدينةٍ اسمها الرقة؟

مدونات - مدينة الرقة

أسمعتم يوماً عن مدينةٍ اسمها "الرّقة"؟ أقصدُ الرّقة وليس "عاصمة الخلافة"؟ كثيرون سمعوا عن "عاصمة الخلافة" ولم يسمعوا قط عن مدينة "الرقة" بل إنّهم يفزعون حينما تتناهى إلى مسامعهم اسم "الرقة" فيصرخون دونما تردد: "أتقصد مدينة الدواعش؟".

تشهد هذه المدينة منذ أيامٍ قصفاً عنيفاً لم تُقصف مثله "غزة" على يد إسرائيل. تشهدُ حرقاً بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً والمحلل والمشرّع على أمريكا!! والمضحك المبكي أنّ أمريكا تندد وتستنكر منذ نحو خمس سنواتٍ قصف نظام الأسد للمدن السوريّة بالفوسفور ومختلف الأسلحة المحرّمة في جميع الشرائع والقوانين، وفي الوقت ذاته تستعمل تلك الأسلحة على الأحياء السكنيّة في مدينة الرقة!! ربّما يصيبها العمى في معاركها ضدّ "الإرهاب".

نُشرت إحصائية من قبل ناشطي الرقة تقول أنّ التحالف الدولي بقيادة واشنطن قتل من سكان الرقة منذ بداية حملة "غضب الفرات" أربعة أضعاف ما قتل تنظيم "داعش" من السكان، والحجة جميعكم تعرفونها جيداً، "الحرب على الإرهاب". إنّ الحرب على الإرهاب التي يُقتل فيها الأبرياء أضعاف ما يقتله الإرهاب هي الإرهاب بعينه.

عندما تقرأ أنّ صلاة الجنازة باتت فرضاً يوميّاً، وأنّ القذائف والصواريخ تهطر مثل المطر على المدينة "الرقة".. فاعلم أن "الإنسانية" قد ماتت، وأنّ حقوق الإنسان كذبةٌ رخيصة، أو أنّهم عندما صاغوا مبادئ حقوق الإنسان نسوا أن يعتبروننا بشراً.

الولايات المتحدة الأمريكية لها تاريخ حافل في قتل الأبرياء، لكنّ إدارة "ترمب" قد تفنّنت في هذا الموضوع في الموصل وفي الرقة. حيث في الرقة أكثر من ألف ومائة مدني قُتِل بحجة "التحرير"، وأكثر من مائتي ألفٍ شُرِّدوا في مخيمات اللجوء التي وصفها ساكنوها بأنّها "أشبه بمعسكرات الاعتقال بعهد هتلر". فيا له من "تحرير!!

القريب من الحدث أو المتابع له بشكل دقيق يرى أنّ التحالف الدولي لا يستهدف عناصر تنظيم "داعش" إلا في نادر الأحيان، وأنّ أغلب الغارات الجويّة تستهدف المدنيين والمنازل السكنيّة والمناطق المأهولة بالسكان الذين لا حول لهم ولا قوة. فاليوم ومنذ بداية شهر رمضان المبارك لم يبقى حيٌّ مدني إلا ونال حصته من القصف ولم تبقى عائلة في الرقة إلا وكان في بيتها شهيد أو جريح، ولم يبقى شارعٌ إلا ودُمِرت فيه بيوتٌ، في مدينةٍ لم ترَ النور منذ سنوات. يمكن القول وغالب الأمر هكذا، أنّه كلّما ارتفع حجم الدماّر في المدينة، كلّما ارتفعت أسهم شركات الإعمار التي ستتولّى إعادة أعمار المدينة بعد طرد التنظيم منها. ولكن، من سيعيد لنا عائلاتنا وأهلنا وأصدقائنا الذين دفنوا تحت الثرى بفعل الهمجيّة التي يقوم بها دعاة الحضارة والتطور؟

العالم بأسره شاهد منذ أيامٍ صور الفوسفور الأبيض الذي يحرق مدينة الرقة وساكنوها، ولكنّه تجاهلها عمداً، فـ "يحقُّ لأمريكا أن تفعل ما تريد". تركز وسائل الإعلام الأجنبية وخصوصاً الغربية على مُجريات المعارك وانتصارات قوات "قسد" التي تخوض المعارك ضد التنظيم اليوم في أحياء مدينة الرقة، مُتجاهلاً أخبار المدنيين وأوضاعهم. حتّى أنّ أيّ خبرٍ تافه المضمون يمكن أن يشدّ أبصار الناس أكثر من خبر مقتل عشرات الأشخاص، ما يدفعك أن تقول "سحقاً وألف سحقٍ لإنسانيتكم".

عندما تقرأ كل هذه الأحداث، وتقرأ أنّ الحدائق التي كانت تُزيّن المدينة أصبحت مقابر، وأنّ صلاة الجنازة باتت فرضاً يوميّاً . وأنّ القذائف والصواريخ تهطر مثل المطر على المدينة. وأنّ الناس باتت تحمل جثث أطفالهم وأخواتها وعائلاتها ولا تعرف أين تواري تلك الجثث. فاعلم أن "الإنسانية" قد ماتت، وأنّ حقوق الإنسان كذبةٌ رخيصة، أو أنّهم عندما صاغوا مبادئ حقوق الإنسان نسوا أن يعتبروننا بشراً مثلهم.

إذا الرقة سئلت بأيّ ذنبٍ قُتِلت؟ فما من مجيبٍ يستطيع الإجابة، وإذا السماء أمطرت حممها فما من عينٍ رأت ولا من أذنٍ سمعت، يُقتل الأبرياء بحجة "التحرير" ويُهجّر أصحاب الأرض. ولكن العالم يفرح، يفرح لأنّ الذي قُتِل ليس أوروبيّاً ولا أمريكيّاً، "مواطن عالم ما تحت ثالث" بحسب ما صنّفوه في عقولهم. ولأنّه ولِد هناك فقد بات إرهابيّاً، لا لشيءٍ، فقط لأنّهم يعتقدون بأنّه يستحق الموت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.