شعار قسم مدونات

معرة النعمان.. تعيد سيرة الثورة السورية الأولى

blogs - حرب سوريا
دائماً ما ترتبط الذكرى، لدى كُلٍّ مِنَّا، في الزمان والمكان الذي وقعت فيهما، كأن يتبادر إلى ذهن أحدهم، مثلاً، شعور الفٙزٙع والوحدة، إذا ما سمع عقارب الساعة وهي تجرّ بعضها البعض منتصف الليل، الهادئ إلَّا من ذلك الصوت، إذ إنَّهُ تذَكَّر بذلك، ليالي مرضه ذات يوم، عندما كان صبياً. أو أن تنبعث في روحِ أحدهم البهجة والسرور، فور إنصاته لأغنيةٍ ما كان قد سمعها -لأوّل مرَّة- برفقة من يُحب، أو وسْط مجدٍ ما، قد عاش تفاصيله، والنشوة تعتلي ملامح الوجه -أغنيّة يا حيف، لسميح شقير.. مثالاً- فارتبط بعدها، لدى ذلك الشخص، شعور الطمأنينة بألحان تلك الأغنية.
تسارُعٌ في دقّات القلب، وقلق وترقب.. هي مشاعر كانت قد رافقتني، حينما سمعتُ لأول مرّة لصرخات الثوار الديرية: حريّة. وسط دوّار غسان عبود، وفي ساحة الحريّة بمدينة دير الزور، شرق سوريا، بوجه قوات حفظ النظام والأمن السوري، قبل ستّة أعوام؛ قد عاودت مخالجتي اليوم مجدداً، لكن هذه المرّة، على أنغام: "المعرّة حرّة، حرّة.. الشبيحة تطلع برا" قاصدين بذلك -أيْ المتظاهرين- معرّة النعمان بريف إدلب، والشبّيحة هنا، هم عناصر هيئة تحرير الشام، أو جبهة النصرة سابقاً.

صور يبثها ناشطو المعرّة، من أمام أحد المساجد داخل البلدة، بذات "التكنيك" الذي عرفت به فيديوهات أيام الثورة الأولى: ذاتُ زوايا التصوير، وأماكنها، ونفس الرهبة التي تلازم المتظاهرين، الّلا مبالين ببندقية الطاغية، والموجّهة نحو الصدور العارية، إلّا من الإيمان بمشروعيّة الصراخ والثورة على كل ضروب الظلم، سواءٌ كان باسم الوطن أو الدين أو الفصيل.

استفقنا على مائة بشار آخر، يحتاجون، لمثل أبناء المعرّة، كي يعيدوا سيرة الثورة السورية الأولى، ويخرجوا للشوارع، ولسان حالهم يقول: باقون هنا، ولصرخاتنا العالية.. بقية.

ولا يخفى على متابع للشأن السوري، طريقة التعامل "النرجسية"، والتي ما فتئ يتّبعها عناصر هيئة تحرير الشام، مؤخراً، بحق الناس العاديّين في سوريا، (ذات الطريقة التي يتبعها عناصر داعش مع أهالي دير الزور والرقة) والذين يُسمّون بعُرف الهيئة: عٙوٙام، ذو درجة عاشرة ما بعد عناصرها "المقاتلين"، لا سيّما وأنّ أهالي المعرّة يعادون فكر القاعدة عيٙاناً، ويحملون أفكار الثورة السورية البسيطة، ورموزها، كأيدلوجية وطنية، الأمر الذي زاد الطين بِلّة، وحدث يوم أمس أن وقع ضحايا، إثر اقتحام الهيئة لمعرّة النعمان، بذريعة وجود فصائل عسكرية فاسدة، وربما علمانية!

وجود القاعدة بين ظهرانينا، والسكوت على الاستحقاقات التي تترتب على تطبيق مشروعها، وسط المتروكية التي يحظى بها مشروع السوريّون: الثورة السورية، هو أحد أسباب وصولنا لما نحن عليه اليوم، من خسارات جمّة، كانت قد بدأت بسقوط الدير والرقة مطلع ٢٠١٤، مروراً بخسارة حلب نهاية ٢٠١٧، وليس انتهاء بما حدث في المعرّة أمس.

ثمّةٙ موجة من العدميّة، تعصف بنا الآن، إذ إنّ ما خرجنا لأجله، قبل ستّة أعوام، وبعد قرابة المليون شهيد، وعشرات الآلاف من المعتقلين، والمتمثّل، بإسقاط بشار الأسد، الذي ظلم الشعب السوري، ولم يتورّع في سفك دمه، لمّا طالب بحرّيته، وقال: لا لجلّاده؛ لم يتحقق حتى اللحظة، إذ أنّنا استفقنا على مائة بشار آخر، يحتاجون، لمثل أبناء المعرّة، كي يعيدوا سيرة الثورة السورية الأولى، ويخرجوا للشوارع، ولسان حالهم يقول: باقون هنا، ولصرخاتنا العالية.. بقية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.