شعار قسم مدونات

لا تخرج بقلبك الذي دخلت به!

blogs صلاة

تأمل تلك الأسئلة وأجب في نفسك..

* يستجاب الدعاء "في السجود.. في الصيام.. عند ختم القرآن.. من المسافر.. من المظلوم.. من الأم.. من المكروب.. عند نزول المطر.. وقت السحر.." لماذا هذه الأوقات والأحوال بالذات يستجاب فيها الدعاء؟ ما الجامع بينها؟

 

* لماذا يعمل الرجل بعمل أهل الجنة ثم يختم له بسوء ويدخل النار والعكس.. هل هذا ظلم؟!

* التابعون أكثر عبادة من الصحابة.. ولكن الصحابة أعلى منزلة.. لماذا؟!

* مع أن أبا بكر "رضي الله عنه" ليس بأكثر الصحابة عبادة ولا علمًا، لماذا هو أفضل الأمة، بل يزن الأمة كلها "لو وضعت الأمة في كفة ووضع أبو بكر في كفة لوزنهم" ما السر؟ ما معيار التفاضل؟

يمكنك أن ترد على هذه الأسئلة بإجابة واحدة وهي.. "حالة القلب" (أعد قراءتها).

فليس معيار التفاضل عند الله كثرة العبادة ولا كثرة العلم، وإنما هو "القلب". كَفَر "إبليس" وطُرِدَ من رحمة الله مع أنه كان أعبد الملائكة بسبب تكبره، وهو فعل قلبي. أول معصية تلوث هذه الأرض "قتل هابيل قابيل".. بسبب الحقد، فعل قلبي كذلك! بل إن غاية العبادات ومقصدها هو القلب! فالهدف من الصلاة هو الوازع الذي تزرعه في القلب "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر". والصيام غايته التقوى "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".

مجرد غفلة القلب تُفقد العبادة معناها وتسلبها روحها.. فالصلاة صلة العبد بربه، وعمود الدين، وأول ما يحاسب عليه العبد ولكن قد يصلي الرجل وصلاته لا قيمة لها لأن قلبه لاهٍ

والزكاة "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا" ولا شك أنها طهارة النفس والقلب. والنذور والعطايا "لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ". والحدود والعقوبات "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". وكل العبادات "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". وقال رسول الله "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم" وأشار بإصبعه إلى صدره، فالمحور "القلب" والأعمال إنما هي لإصلاح هذا القلب.

ومن ناحية أخرى، فالعلاقة بين عبادات الجوارح والقلب دائرة مفرغة؛ فكما أن غاية عبادات الجوارح إحياء القلب، فإن هذه العبادات لا تصلح إلا بحضور القلب، قال رسول الله "إنما الأعمال بالنيات". فأعظم العبادات والأعمال لو كانت النية فيها لغير الله كانت هباء منثورا، ونعلم كلنا حديث الثلاثة أول من تسعر بهم النار يوم القيامة وهم شهيد وعالم ومُنفق، والسبب أنهم فعلوا ذلك رياء الناس.

بل ومجرد غفلة القلب تُفقد العبادة معناها وتسلبها روحها.. فالصلاة صلة العبد بربه، وعمود الدين، وأول ما يحاسب عليه العبد ولكن قد يصلي الرجل وصلاته لا قيمة لها لأن قلبه لاهٍ، والنبي "صلى الله عليه وسلم" عندما رأى رجلا يسيئ صلاته قال له: "ارجع فصل فإنك لم تصل" مع أنه صلى!! ولكنها صلاة تماما كالعدم لغياب القلب. قد يصلي رجلان في مسجد واحد وخلف إمام واحد وكتفاهما متلاصقان وصلاة أحدهما في أعلى عليين والآخر ليس له شيء من صلاته! قال رسول الله "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها" والسبب في ذلك قول النبي "ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها".

والقرآن، أمرنا الله بتدبره "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا". وآية خطيرة تقشعر لها الجلود: "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ". وكأنه قسَّم الأمم السابقة قسمين قسم آمن وهذا يتلو القرآن حق تلاوته وقسم كفر به، وحق تلاوته كما يقول الإمام الغزالي هو "تصحيح التلاوة وفهم المعنى واتعاظ القلب" وقال عَلِيٌ "رضي الله عنه": " ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا علم ليس فيه تفهم، ولا قراءة ليس فيها تدبر". ويقول الصحابي الرقيق عثمان "رضي الله عنه": "لو صفت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم". فالقلب هو الأساس والعبادات لا تصلح إلا بإخلاص القلب وحضوره وفي النهاية تصب في القلب!

تعهد قلبك.. وابحث عنه.. كما يقول ابن القيم "ابحث عن قلبك في ثلاث مواضع.." وأنت أعلم بقلبك وكل قلب له ميل، فمنا من يتأثر بالقرآن ومنا من تصفو نفسه بالخلوة ومنا من يطير قلبه في القيام أو الصيام أو التصدق أو سماع المواعظ

فإذا علمت ذلك فكرت بشكل مختلف؛ فلا تهتم للكم بقدر ما تجهد لتحسين الكيف، وتركز على جوهر العبادة والهدف منها ولا تنشغل بالطقوس والحركات "وهي مهمة لا شك"، وابحث عن قلبك دائما وتلمَّسه قبل العبادة وبعدها، هل بالفعل زاد الإيمان بعد العبادة؟ هل طهر القلب؟ هل صفت الروح؟ وهذا هو المقصود.

تعهد قلبك.. وابحث عنه.. كما يقول ابن القيم "ابحث عن قلبك في ثلاث مواضع.." وأنت أعلم بقلبك وكل قلب له ميل، فمنا من يتأثر بالقرآن ومنا من تصفو نفسه بالخلوة ومنا من يطير قلبه في القيام أو الصيام أو التصدق أو سماع المواعظ أو.. أو.. ونجد الصحابة والصالحين كان لقلب كل واحد منهم محرابه الذي يهفو إليه ويصفو فيه. وما أجمل وأفهم ما قاله أبو سليمان الداراني "فإذا وجدت قلبك في القيام فلا تركع، وإذا وجدته في الركوع فلا ترفع". تذكر دائما.. القلب هو مبدأ الإيمان ومنتهاه فابحث عنه ولا تنشغل بالأفعال عن غايتها حتى تفرح "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.