شعار قسم مدونات

كبش فداء المناخ عند ترمب

blogs الهند وأمريكا

إن اتهام ترمب للهند بالمطالبة بـ "مليارات ومليارات ومليارات الدولارات" كشرط لقبولها بالمشاركة في اتفاقية باريس للمناخ سيؤثر سلبا على العلاقات الوثيقة الموعودة بين أكبر ديمقراطيتين بالعالم. لقد ورد عن وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج انها قالت "لا توجد أي صحة" في إدعاء ترمب وذلك بعد أن خص ترمب الهند في خطابه الذي تخلى فيه عن اتفاقية باريس حيث أشارت سواراج إلى أن الهند انضمت إلى الاتفاق "ليس بسبب الجشع أو الخوف" ولكن "بسبب التزامنا بحماية البيئة".

 

ويصر ترمب على أن صفقة باريس غير عادلة لأن "الهند سوف يسمح لها بمضاعفة إنتاج الفحم بحلول عام 2020" بينما يفترض أن تتخلص الولايات المتحدة من الفحم لديها ومن المؤكد أن الهند لا تزال تحصل على معظم الكهرباء من محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم والتي تمثل حوالي ثلثي إجمالي الطاقة لديها ولكن الهند لا تملك إمكانية الحصول على الغاز الطبيعي غير المكلف الذي سمح للولايات المتحدة بتخفيض انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون في السنوات الأخيرة.

 

وبالتالي فإن الهند ليس لديها خيار سوى بناء محطات فحم جديدة على المدى المتوسط وكما أشار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عندما تم التوصل لاتفاقية باريس بأن الهند لا تزال بحاجة إلى "النمو بسرعة لتلبية تطلعات 1.25 مليار شخص علما أن 300 مليون منهم لا يستطيعون الحصول على الطاقة".

 

أعلنت الهند عن خطط طموحة للتحول عن مصادر الطاقة التقليدية عالية التلوث وهي تأمل في توفير 40 من المائة من طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة وذلك بحلول عام 2030

وتعد الهند الآن ثالث أكبر دولة مسؤولة عن انبعاثات غاز الدفيئة في العالم – بعد الصين والولايات المتحدة- ولكن ذلك يرجع إلى أنها حققت مكاسب باهرة من حيث النمو الاقتصادي حيث دعت الهند في الوقت نفسه منذ زمن طويل إلى مبدأ "المسؤولية المشتركة والمتباينة" والذي ينص على أن البلدان الصناعية التي أسهمت أكثر من غيرها في الاحتباس الحراري لديها التزام أكبر بمعالجتها.

 

وقد أعربت الهند عن استعدادها لخفض الانبعاثات ولكن بشرط أن تقوم البلدان المتقدمة بنصيبها وذلك حتى تضرب مثلا لغيرها من الدول. لقد كانت هناك شكوك في الماضي حول ما إذا كانت الهند سوف تتفق مع الجهد العالمي الجماعي المتمثل في اتفاقية باريس ولكن لقد أكدت الحكومة الهندية مجددا ردا على قرار ترمب على التزامها بالوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقية ولقد تعهد مودي في مؤتمر صحفي عقده مؤخرا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "بمواصلة العمل" لخفض الانبعاثات "بشكل يتفوق على اتفاقية باريس".

 

لقد أعلنت الهند تحقيقا لهذه الغاية عن خطط طموحة للتحول عن مصادر الطاقة التقليدية عالية التلوث وهي تأمل في توفير 40 من المائة من طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة وذلك بحلول عام 2030 وتتوقع إن تأتي 100 غيغاوات من ذلك من الطاقة الشمسية بحلول عام 2022 ومن المرجح أن تتجاوز الهند هذا العام اليابان كثالث أكبر منتج للطاقة الشمسية بعد الصين والولايات المتحدة.

 

وقد أشار الهنود أنه في حين أن الصين هي موطن 17.5 من المائة من سكان العالم والهند هي موطن 17 من المائة فإن الصين تنتج أكثر من 23 من المائة من الانبعاثات العالمية بينما تنتج الهند أقل من 10 من المائة ومن حيث انبعاثات على مستوى الفرد من بين الملوثين في العالم نجد ان الهند احتلت المرتبة 128 بين أنغيلا ومولدوفا.

 

إن القادة الهنود مثل مودي وسواراج غالبا ما يركزون على التعلق الديني والثقافي والروحي للهند بالبيئة وقالت سواراج ردا على ترمب "أن عمر التزامنا بالبيئة 5000 عام" وقالت سواراج " إن عبادة النهر والجبل والشجر هو التراث الثقافي للهند" وهي بذلك تكون قد استدعت الصلات الهندوسية العميقة مع العالم الطبيعي.

 

إن شيطنة ترمب للهند يمكن أن تعطل جهود الحزبين المستمرة منذ سنة 2000 لتعزيز العلاقات الثنائية حيث اتبعت الإدارات الديمقراطية والجمهورية في الولايات المتحدة على حد سواء شراكة استراتيجية مع الهند

وعلى الرغم من ادعاء ترمب المشكوك فيه بأن اتفاقية باريس تضع على عاتق الولايات المتحدة "أعباء مالية واقتصادية شديدة القسوة" فإن قراره غريب وذلك نظرا لإن الاتفاق طوعي وغير ملزم حيث أن جميع البلدان المشاركة بموجب الاتفاقية المتفق عليها حرة في تحديد أهدافها الخاصة بخفض الانبعاثات والسياسات المتعلقة بتحقيقها ويمكنها إجراء التغييرات حسبما تراه مناسبا.

 

وعلاوة على ذلك إذا لم يحقق البلد هدفه "المحدد على الصعيد الوطني" لا توجد أي عقوبة مفروضة عليه وبعد الالتزام العلني بالصفقة يكون كل بلد ملتزما بمتابعة التزاماته الخاصة بحسن نية أو يكون مسؤولا أمام محكمة الرأي العام.

 

لم يستوعب ترمب هذه النقطة عندما قال بأن الهند ولكن ليس الولايات المتحدة "يسمح" لها بمواصلة إنتاجها من الفحم وقد عرض جميع الموقِّعين البالغ عددهم 195 دولة مساهماتهم الخاصة المحددة وطنيا و لو أن ترمب لا يحب المساهمات المحددة وطنيا التي وضعتها إدارة أوباما كان يمكن أن يعدلها في أي وقت وبالطبع كان سيتعرض لانتقادات شديدة عالمية وخاصة من الدول التي انضمت الى الاتفاق لإن الولايات المتحدة مستعدة لتقاسم العبء لكن ربما كان من الممكن أن يتجنب الاستعداء الذي لا داعي له لبلد ينظر لنفسه على أنه شريك استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية.

 

والخطر الآن هو أن شيطنة ترمب للهند يمكن أن تعطل جهود الحزبين المستمرة منذ سنة 2000 لتعزيز العلاقات الثنائية حيث اتبعت الإدارات الديمقراطية والجمهورية في الولايات المتحدة على حد سواء شراكة استراتيجية مع الهند وذلك استنادا إلى العلاقات التجارية القائمة والاستثمار والشبكات التجارية والعائلية الكبيرة التي تربط البلدين وقد قوضت الآن تصريحات ترمب غير المبررة تلك الجهود.

 

حتى لو اختلفت الهند والولايات المتحدة على اتفاق باريس بشأن المناخ، فإنهما لا يزالان قادرين على التنسيق في مجالات مهمة أخرى

يوجد تكهنات في الهند بأن مودي قد يؤجل زيارته المقررة إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق من هذا الشهر وهذا لا يعتبر قرارا حكيما حيث أن التحدي الدبلوماسي للهند الآن هو مواجهة الاضطرابات العرضية الناتجة عن الرئيس الأمريكي المتقلب الذي يلعب لقاعدته المحلية وبخلاف ذلك فإنها قد تفقد المزايا الدولية والجيوسياسية لعلاقتها مع الولايات المتحدة.

 

وحتى لو اختلفت الهند والولايات المتحدة على اتفاق باريس بشأن المناخ، فإنهما لا يزالان قادرين على التنسيق في مجالات مهمة أخرى فعلى سبيل المثال، أشار ترمب خلال زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية إلى أن الهند هي ضحية للإرهاب وهي مشكلة تواجه الولايات المتحدة أيضا وتبلغ التجارة البينية في الوقت نفسه بين البلدين أكثر من 100 مليار دولار سنويا واكتسب الشتات الهندي نفوذا غير مسبوق في واشنطن ويضم مجلس النواب الأمريكي حاليا خمسة أعضاء من أصل هندي بالإضافة إلى واحد في مجلس الشيوخ.

 

وهذه هي الركائز التي يمكن عليها بناء علاقة أقوى بين الولايات المتحدة والهند وعليه فنحن فقط بحاجة إلى تجاهل بعض الأخطاء من حين لآخر من البيت الأبيض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: بروجيكت سينديكيت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.