شعار قسم مدونات

واستغفرْ لِذنبكَ

blogs - pray
هل راقبت نفسك كيف تصنع حين ترتكب ذنباً ما؟ أحاولت فهم ذاتك وخباياها وعلتها حين أخطأت؟ أم أنك فعلت ما فعلت، وبررت لنفسك فعلتها ومضيت متجاهلاً أن هذا الذنب ترك ندبةً في قلبك وأنت لم تصلحها، لم تعالجها! هذه الندبةُ تتسعُ كلما اصطّف ذنبٌ بجانب آخر، تمتد وتتشعبُ حتى تطالَ قلبكَ كله مطفئةً النور الذي يحويه، يرنو على قلبك صدًى يصبح من الصعبِ إزالته كلما تماديت في الذنب ولم ترجع.


لا يتوقفُ اﻷمرُ على صدى فحسب، فحين يتوقفُ نبضُ اﻹيمان في قلبك وتلفه الذنوب، ستبتعد عن طريق الله، ستتبع المعاصي واﻷهواء، ستصبح لاهثاً وراء هذه الدنيا تنهلُ من معينها الفارغ ولا تشبع! ليس هذا فحسب بل ستستوحش طريق الحق وسيثقل عليك السير فيه، وستتهم أصحاب هذا الطريق بالضلال والغباء ربما، فحين يتوقف نبض اﻹيمان في قلبك سيهلك فكرك.

لا يفترض بمسلم، أن يغافل نفسه ويبرر لها ذنوبها بأنها من طبيعة البشر، صحيح هي كذلك، لكن إن لم تقف عند الذنب وتتفحصه  وتحاسب نفسك وتندم  فإن النفس ستعود مراراً وتكراراً للخطأ ذاته.

وستفقد بوصلتك وستترنح بين أطياف وأطياف وأنت لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وسيتلقفك أنصار الشر لتكون عونهم وتبعهم وستفعل، فمصباح الله لا ينير قلبك، والذنب صداه يتراكم، وأنت تتغافل عن توبة باستغفار، وتشكو روحك فقرها وقلة حيلتها وبؤسها وتخبطها، والحل أنت معمي عنه… بعيد كل البعد عن إدراكه وهو في متناول الجميع ودواء الحكيم في ترطيب اللسان، فينزل أثر الطَّل منه إلى قلبك فيزهر.

هل تشعر أحياناً بأن شيئاً ما يلتف حول عنقك ويخنقك وأنت لست تراه؟! أو تشعر أن روحك تعذبك، شيء ما يستنزف طمأنينتها وسكينتها؟! أتحس ألماً في قلبك يقتل حبه للعمل والحياة؟! ماذا تصنع حينها؟ هل تحيي أجواء الكآبة الخانقة، وتوصد اﻷبواب على نفسك وتعتزل الناس؟ قد تكون تذرف الدموع وتثقل على نفسك وتصحبها في رحلة معاناة اختلقتها لتواسيها في ضيقها… وغاب عنك أن النفس هذه تتلوى ألماً.. تحترق عذاباً ومرارة..

تشتكي فراغاً وتستصرخك: "إملأني بنور الله ومغفرته، اجعل نعيم الدنيا بقرب الله يتدفق فيَّ"، تطالبك أن هذه الموسيقى الحزينة واﻷجواء الكئيبة تنهكها وهي ما تريد إلا ترنيمة استغفار تعيد لها صفائها وهدوئها… تريد فطرة قلبها وسكينتها… تريد استغفاراً وإياباً ومتاعاً حسناً، إذ يقول جل وعلا: "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً"، وقال قدوتنا ونبينا الكريم:" من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب". فهو نبي الله وما ينطق عن الهوى، فربه حين أوحى الله هو خالق النفس وأعلم بها ويعلم ما يسرها وما يحزنها، فسبحان من جعل دواء همومنا واستقامة أرواحنا تقرباً له!

لا يفترض بقلب يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أن يغافل نفسه ويبرر لها ذنوبها بأنها من طبيعة البشر، صحيح هي كذلك، لكن إن لم تقف عند الذنب وتتفحصه وتبتعد عن كل ما جعلك ترتكبه وتحاسب نفسك وتندم أشد الندم على ما فعلت، وإلا فإن النفس ستعود مراراً وتكراراً للخطأ ذاته وستألف المعصية، وشيئاً فشيئاً عند كل خطأ وذنب يتلاشى النور من قلبك وينطفئ، وهذا عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- يقول:"إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا"… فراجع نفسك كيف ترى ذنوبك.

حين يتوقفُ نبضُ اﻹيمان في قلبك وتلفه الذنوب، ستبتعد عن طريق الله، ستتبع المعاصي واﻷهواء، ستصبح لاهثاً وراء هذه الدنيا تنهلُ من معينها الفارغ ولا تشبع!

لم يكن الاستغفار بعد ارتكاب الذنوب والوقوع في الخطأ فحسب، بل إنه الدرع الحصين من الوقوع في الظلمات، والنور الذي يعمر ضلوعنا فيزين لها الحياة ويرينا الجمال، وهو سبب الفرح والرزق وراحة البال، قال سبحانه "فقلت اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِللِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً"…

فسبحان من جعل كلمات خفيفات نرددها هي علاج كل هذا وتأتي بالخير كله هذا… فيا كبر النفس وغرورها، وتشتتها وضياعها وبؤسها، ويا كثرة الخطأ والتعثر لن تبقي ولن توقري في قلوبنا المطمئنة لاستغفار تلهج به ألسنتنا.. فاستغر الله لكل ذنب ومن كل هم وﻷجل كل خير ورزق وراحة بال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.