لم تعدم مؤسسة التسول المصرية هذا العام، أي باب ممكن لتطرقه، فهاهنا حساب مفتوح للتبرع لإقامة مستشفى لعلاج الأطفال المرضى بالسرطان، وها هنا آخر لسرطان الكبار، وثالث هناك لسرطان الثدي، ورابع في الزاوية الأخرى لمعالجة الحروق، وهبة تضامنية جديدة لجمع الألبسة، وانتفاضة خيرية ليست الأخيرة لجمع الورق، (أنا أيضا لم أعرف مغزى جمع الورق)، وكل عام تخرج المؤسسة التسولية الناجحة بأفكار وإبداعات مبتكرة لسد بؤر البؤس والفقر المتفجرة هنا وهناك.
كيف لدولة تنام على هذا الكم من البؤس أن ترفع رأسها بين الأمم، كيف لها أن تحاجج عن مكافحة الإرهاب، وقد نخرها الفقر؟ أيها المصريون، الفقر هو الإرهاب الحقيقي الذي يترصدكم، والعسكر أكبر داعم له بسياساته الفاشلة. |
وبالموازاة يصنع آخرون نجاحهم بفضل هذا القطاع التجاري المسجل حصريا باسم مصر الحضارة والعروبة، يكفي لهؤلاء قليل من الموهبة وبعض التدريبات البسيطة لتذبيل نظراتهم مع بعض الدمعات المترقرقة وثني أفواههم وتكريش سحناتهم، وإطلاق بعض عبارات استدرار الشفقة واستحلاب عواطف الإحسان والتضامن، ليشيدوا قصورا وفيلات ويركبوا سيارات ويخوتا، دفع ثمنها فائض القيمة الناتج عن استثمار مؤسسة التسول في أصول التهاب الكبد الفيروسي والسرطان وفقر الدم والجوع والدموع والبؤس المزروع في نجوع وعشوائيات أم الدنيا.
لا أحسب أن الأحرار من أبناء أرض الكنانة، يغتبطون بأي نجاح تحرزه مؤسسة التسول والشحادة، في علاج مريض أو تأثيث بيت أرملة بماكينة حياكة، فالواقع أن أي صفر في يمين التسول هو أصفار لا متناهية في شمال حساب الدولة، إذ كيف لدولة تنام على هذا الكم من البؤس أن ترفع رأسها بين الأمم، أو أن تكون لها أي كلمة في تحديد مصيرها بل مصير غيرها، كيف لها أن تحاجج عن مكافحة الإرهاب، وقد نخرها الفقر؟ أيها المصريون، الفقر هو الإرهاب الحقيقي الذي يترصدكم، والعسكر أكبر داعم له بسياساته الفاشلة.
من تراه يحتاج إلى دليل أكثر من تلك الإعلانات المخزية وتلك الأرقام الفلكية التي تعلنها كأهداف أو كنجاحات للتسول، ليتثبت ويوقن فشل دولة العسكر، وقد تخلوا عن واجبات الدولة الأساسية، لجمعيات ومبادرات غير حكومية، باسم التضامن والتكافل والتآزر. فكيف يصح في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.