شعار قسم مدونات

ظاهرة التجشؤ

quran12
"التجشؤ" هو عبارة عن صوت يخرج من المعدة للدلالة على امتلاءها، كذلك هي حال البعض مع القرآن، كأنهم قد امتلأوا بالقرآن فأصبحت قلوبهم لا تستطيع قبول المزيد منه، ولكن لأن من كان "سليم القلب لا يشبع من القرآن"، ولمَّا كان طول الأمد هو سبب قسوة القلب "فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ"، فإن الوصول لهذه الحالة لا يكون عبر التعاطي المستمر مع القرآن.

لأن المداومة على القرآن سبب لسلامة القلب، ومن كان سليم القلب لا يشبع من القرآن، إذاً نحن أمام حالة تجشؤ بدون شبع، أو كما يقول المثل "تجشأ لقمان بدون شبع"، انطلاقاً من هذا كان هذا المقال محاولة لبيان بعض الأسباب الموصلة لظاهرة التجشؤ هذه.

السبب الأول: غياب التربية القرآنية:

يصبح القرآن عبر (التوريث) مجرد كتاب يُوضع على أعلى رف أو في مقدمة السيارة وأحيان كجزء من سلسلةٍ تُوضع على الرقبة كأداة بركة فقط.

أعتقد أن غياب التربية القرآن من أهم أسباب تفشِّي هذه الظاهرة، والمقصود بالتربية القرآنية أن يُنشأ النشء على مركزية القرآن في حياتهم فيستمدون منها القيم والإطار الكلي الذي يحكمهم في حياتهم، وأن يُرَبُّوا على الفزع إلى القرآن كلَّما ألمَّ بهم خطب يسيراً كان أم جليَّلاً، ولكن لمَّا كان الجيل المنُوط به تنشئة هذا الجيل هو بدوره أيضاً عانى من غياب هذه التربية نتيجة الاستعمار؛ كان جاهلاً بأهمية هذه التربية، فكان التركيز كل التركيز فقط على تربية أبناءهم ليصيروا أغنياء وأقوياء.

حتى تلك القيم التي يُورِّثونها للأبناء نادراً ما يتم ربطُها بالقرآن، حتى تلك السويعات اليتيمة التي يأخذها الأبناء في المدرسة كـ "حصة القرآن" لم تكن – أغلب – المدارس تهتم بها، بل يمكنني القول وبدون مُبالغة كانت هذه الحصة هي من أسباب توسُّع الفجوة بين الطالب والقرآن لرتابتها والحضور المكثَّف للجلد كعقوبة لعدم الحفظ – وهذا ما حدث أيضاً مع علاقة الطفل مع الأدب – لذا من المهم استعادة حضور القرآن في حياتنا.

السبب الثاني: شهوة "الماجريات":

الماجريات هي الأحداث اليومية، والمقصود بشهوة الماجريات هو اللهاث المستمر خلف الأحداث اليومية، ليتكىء عليها المرء في أحاديثه مع أصدقاءه و جِداله المستمر، ولمَّا كانت قضايا القرآن غائبة في هذه الأحاديث والجدالات – وحتى عندما تحضُر يكون حضوراً على استحياء كوسيلة للمُجادلة فقط – لأجل هذا كانت العلاقة مع القرآن ضعيفة، فالقرآن لن يفيده في مجالسه تلك.

السبب الثالث: القرآن ككتاب بركة:

حتى تلك القيم التي يُورِّثونها للأبناء نادراً ما يتم ربطُها بالقرآن، حتى تلك السويعات اليتيمة التي يأخذها الأبناء في المدرسة كـ "حصة القرآن" لم تكن – أغلب – المدارس تهتم بها.

وهذا السبب قد يكون في الغالب نتيجةً لتوفُّر السبب الأول (غياب التربية القرآنية) فيصبح القرآن عبر (التوريث) مجرد كتاب يُوضع على أعلى رف أو في مقدمة السيارة وأحيان كجزء من سلسلةٍ تُوضع على الرقبة كأداة بركة فقط، فيغيب بسبب ذلك أننا يمكننا أن نستمد منه أسلوب حياتنا.

كثيرة هي الأسباب المُوصلة لهذه الظاهرة، وقد يكون الكثير منكم التمس بعض هذه الأسباب في نفسه أو في المحيط الذي يعيش فيه، ولمَّا كان الإنسان لا يستطيع أن يهتدي بمفرده إلى عبادة الله كما يُريد الله، أنزل الله هذا القرآن ليكون "هُدى" يهتدي به المرء لصراط الله المستقيم.

ولأنه من المفترض أن يكون حالنا كما أمر الله نبيه أن يقول: "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" كان من الواجب علينا أن نستمد كل قيمناً وأسلوبنا في الحياة من القرآن.. أسأل الله أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وغمومنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.