شعار قسم مدونات

اكتشاف أقدم جمجمة.. بين الخطاب الشعبوي والعلمي

blogs - جمجمة
شكلت عهود ما قبل التاريخ مرحلة في حياة الإنسان الأول، تمكن فيها من تدريب حواسه وقدراته العقلية، والاستفادة من تجاربه الطويلة المختلفة. وكان لذلك أثره في نقل حياته إلى مراحل أكثر تطورا في العقلية، والاستفادة من تجاربه الطويلة والمختلفة. وكان لذلك أثره في نقل حياته إلى مراحل أكثر تطورا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والفنية والدينية. 
وشكل علم الآثار الأداة الرئيسية للتعرف على الماضي البشري، وذلك بالاعتماد على دراسة المخلفات المادية التي تركها الإنسان، من آثار معمارية وأدوات وأسلحة وآوان وسجلات مكتوبة وكتابات وروسوم منقوشة على الصخر وغيرها. واستعان الباحثون الأثريون بعدد من العلوم في تدقيق الأزمنة والحقب التاريخية، فقد أدت معرفة النشاط الإشعاعي لنظائر الأورانيوم إلى تحديد عمر الأرض في 4،6 مليار سنة. كما أدى النشاط الإشعاعي للكربون 14 إلى تحديد عمر المخلفات العضوية للإنسان القديم ولبعض الحيوانات.

وكشف العلماء على أهمية مادة الفلور الكيماوية في تحديد عمر حفريات الإنسان، فتوصلوا إلى أن هذا العنصر يتحد مع العظام بعد دفنها في التربة، إذا ما تعرضت للمياه الطبيعية المتسربة في الأرض، والتي تحتوي على هذا العنصر. ويسرت طريقة كشف الفلور، بعد تحسينه وضبطها، التمييز بين العظام التي تنتمي لكل عصر جيولوجي، إذا ما وجدت مختلطة مع بعضها في نفس المعظمة.

من خلال الأحفوريات الإنسانية كان الاعتقاد قائما أن أقدم كائن بشري تم العثور على مخلفاته قد عاش في النصف الجنوبي من القارة الأفريقية، لكن التنقيبات الحفرية الأخيرة في المغرب،  في موقع جبل إيغود، كشفت أن أقدم مخلفات كائن بشري تعود إلى نحو 315000 سنة.

وقد اتفق المؤرخون على تسمية الماضي البشري ابتداء من ظهور الإنسان على سطح الأرض حتى اختراع الكتابة، بعهود ما قبل التاريخ، والتي استخدمت في صناعات إنسان هذه الحقبة، وقسم إلى ثلاثة عصور رئيسية، وهي: العصر الحجري القديم، والعصر الحجري المتوسط، والعصر الحجري الحديث.

وتوصلت الأبحاث العلمية إلى بعض التطورات التي مر بها الإنسان الأول، وذلك من دراسة مجموعة من الإحفوريات الإنسانية في جهات متفرقة من العالم. وكانت هذه الأبحاث قبل الاكتشافات الأخيرة في المغرب قد وصلت إلى أن أقدم كائن بشري تم العثور على مخلفاته، قد عاش في النصف الجنوبي من القارة الأفريقية، في كينيا وتنزانيا وجنوب أفريقيا الحإلية. وانتقل الإنسان الأول، مع مرور الحقب الزمنية الطويلة إلى أشكال أكثر تطورا، والتي تبينها مراحل تطور جمجمته وقامته وأدوات عمله. ومر الإنسان الأول مع توالي الحقب الزمنية عبر عدة أشكال وهي كالتالي:
– الإنسان ما قبل الماهر Australopithèques
– الإنسان الماهر Homo-Habilis
– الإنسان المنتصب القامة Homo-Erectus
– الإنسان العاقل Homo Sapiens
– الإنسان الحإلى Homo Sapiens Sapiens

ومن خلال الأحفوريات الإنسانية كان الاعتقاد قائما -كما أشرنا في السابق- على أن أقدم كائن بشري تم العثور على مخلفاته قد عاش في النصف الجنوبي من القارة الأفريقية (كينيا- تنزانيا -جنوب أفريقيا)، لكن التنقيبات الحفرية الأخيرة في المغرب، وبالضبط بنواحي اليوسفية خاصة في موقع جبل إيغود، كشفت أن أقدم مخلفات كائن بشري تعود إلى نحو 315000 سنة، أشرف على هذا العمل فريق تكون من عبد الواحد بن نصر، عن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لوزارة الثقافة والاتصال المغربية، وجان جاك يوبلان، عن معهد ماكس بلانك للأنتربولوجيا المتطورة بألمانيا.

وغداة الإعلان عن هذه النتائج العلمية برز طرحان في الإعلام، خاصة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، الأول علمي والآخر شعبوي. الطرح الأول استبعد بشكل قاطع بعد هذه النتائج الحديث عن أن المغاربة يمثلون أصل الإنسان العاقل نظرا لثلة من الأسباب العلمية، والطرح الثاني سارع إلى إصدار أحكام بعضها وصل إلى تكذيب وتشكيك مجموعة من النظريات التاريخية حول أصل سكان المغرب، منها نظرية بعض المؤرخين العرب حول أصل الأمازيغ الذي يرجع إلى توافدهم على شمال أفريقيا من الجزيرة العربية عن طريق الحبشة منذ آلاف السنين، -وهي النظرية التي تناولها المؤرخ الإسلامي ابن خلدون وأجاز منطقها في كتبه- وأعاد هذا الطرح النقاش حول أصل سكان المغرب هل هم عرب أم أمازيغ أم ساسانيين أم جرمان. وكثيرا ما يخلق هذا النقاش جدالا عقيما دون التوصل إلى نتائج ذات أسس تاريخية مستبعدة للذاتية متفق عليها بين الباحثين في تاريخ المغرب.

هل ستكون النتائج التي سيتوصل علماء الآثار إليها مستقبلا، تمثل نفس مجال البحث الجديد أم أن النتائج ستكتشف بمجال آخر؟ ويبقى السؤال مفتوحا على ما سيسفر عنه البحث العلمي عموما وعلم الأركيولوجيا بشكل خاص.

كما فتحت هذه النتائج المجال أما طرح مجموعة من الأسئلة، من بينها، هل يشكل المغرب مهدا للبشرية؟ إن الجواب على هذا السؤال يستدعي الابتعاد عن الخطاب الشعبوي وعن الذاتية والتشبث بالموضوعية العلمية، والخطاب العلمي الأكاديمي، الذي يرفض بشكل قاطع الجواب بنعم على هذا السؤال، وهذا ما أشار إليه جون جاك هيبلان، أحد المشرفين على الاكتشاف الجديد، في ندوة عقدت بـ COLLEGE DE FRANCE "كوليج دو فرونس" بباريس، وعرضت خلالها النتائج وتم نشرها بعدد خاص في مجلة NATURE ناتشر (الطبيعة). وقال هيبلان جوابا عن هذا السؤال: "الجواب هو لا، لأنه من الصعب تحديد أصل ثابت للإنسان".

إن علما التاريخ والأركيولوجيا يرفضان بشكل قاطع تسويق فكرة أمة ما أصل الإنسان، لكون أن التنقيبات لا تزال مفتوحةعلى مصراعيها على نتائج جديدة. فقبل بضعة أشهر كنا نعتقد أن أقدم كائن بشري قد عاش في الجزء الجنوبي من القارة الأفريقية، ثم ظهرت نتائج أخرى أخطأت هذه النظرية بنتائج جديدة. وكما قال أحد أهم الفلاسفة الفرنسيين غاستون باشلار: "الحقيقة العلمية خطأ تم تصحيحه"، بمعنى أن النتائج العلمية لا تكون في جوهرها مطلقة بل تطبعها النسبية. فما دام العلم قائما يشتغل من الصعب أن نقول هذا أصل هذا، والآخر أصل كذا. فمن المعلوم عند المؤرخين وعلماء الآثار أن الإنسان عمر الأرض عبر ملايين السنين، ولحد الآن كشفت أحفوريات الإنسانية تمثل 300000 سنة فقط، ومن المحتمل علميا أن تظهر نتائج أخرى في الأيام والسنوات القادمة. فهل ستكون النتائج التي سيتوصل علماء الآثار إليها مستقبلا، تمثل نفس مجال البحث الجديد أم أن النتائج ستكتشف بمجال آخر؟ ويبقى السؤال مفتوحا على ما سيسفر عنه البحث العلمي عموما وعلم الأركيولوجيا بشكل خاص.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.