شعار قسم مدونات

حُلمٌ.. قابِل للتحقيق

blogs التعليم فى مصر

كَثيرةٌ هيَ الأحلامُ التي نأمَلُ أنْ نَراها ماثِلةً أمامَنا على أرضِ الواقِع، ولكِنْ هيْهاتَ أنْ نَنشُدَ هذا الأمَلَ دُونَ تَوفُّر مُقوِّمات تُساعِدهُ على ذلِكْ. حُلمٌ مِنْ ضمْنِ هذهِ الأحْلامْ.. حُلمٌ يتُوقُ كُلُّ طالِبٍ مِصْريّ رُؤيَتهُ على أرْضِ الواقِع، وهوَ حُلمُ نهضةِ مجالِ التعليم. فَرَّطنا في مَنظُومةِ التعليم، واقتَصَرنا على تِكْرارِ عِبارَةِ "التعليمُ كالماءِ والهَواءِ" سُدًى دُونَ العَملِ بِها..

 

الناتِج: أصْبحت مَنظُومةُ التعليم فِي مِصْر هَشَّة لَا جَدوَى مِنها -خاصةً بَعدَ سُوءِ الأحْوالِ السياسيَّةُ فِي مِصْر- ودَلالةً على ذلِكْ أصْبحت مِصْرُ المَركزَ 139 مِنْ 140 مِنَ التصنِيفِ مِنْ حَيثُ التعليم وذَلِكَ في عامِ 2016. أمَّا في 2017 فمِصْرُ خرجَتْ مِنَ التصْنيفِ أصلًا.

 

مِصْرُ لمْ تكُنِ الوَحيدةُ في انحِدارِ مُستوَى التعليمْ، ولو نَشدُّ الرِحالَ إلى 40 سَنةٍ ماضِية نَرَى أنَّ دَولةً مِنَ الدُولِ النامِيَة كانَتْ مُماثِلة لِمِصْر في الظُروفِ وهيَ ماليزيا، التي تُعِدُّ دَولةٌ مِنْ أهمِّ الدُولِ الإسلامِيَّة في الشرقِ الأسْيوِيّ، فقَبلَ عامِ 1970م كانَتْ تُعَدُّ مِنْ ضمْنِ الدُولِ الفَقيرةِ النامِيَّة.

تمكَّنَت ماليزيا مِنْ تَحقِيقِ نَجاحٍ مُبْهِر في مُعَدَّلاتِ التنمِيَة، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ مجالِ التعليمِ، حَيثُ استَطاعَت تأسِيسُ نِظام تعلِيم قَوِي ساعَدَها على قِيامِ اقتِصاد دَولِي عظِيم، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ الاهتِمامِ بالتعليم والبَحث العِلمي

بَدأت ماليزيا تَتَّجِهُ لِوَضعِ أهدافٍ تَسيرُ على تَحقيقِها، ولمْ تضعْ يَدَها على خدِّها تَرْتَقِبُ نهْضةً مَرْجُوَّة تَتقاطَر مِنَ السماءِ، بَل آمنَتْ بفلسفة أنَّ التَنمِيَة البشريَّة تقُودُ إلى تنمِيةِ المَجالات المُختلفةِ وَليسَ التعليمُ فقطْ.. فالفَردُ عِندَهُم هوَ العامِلُ الأساسِي للنهْضةِ.. فعَمِلت على تَوعيةِ الفَرد بأنَّهُ هوَ المُستهدَفُ مِنْ هذهِ التنمِيَةُ.. ممَّا يُشعِرُهُ بأنَّ النهْضة وتقدُّم بِلادِهِ هيَ مَسئوليتِه كفَرد قَبلَ كُلِّ شَيءْ.

 

ليسَ مِنَ المُستحيلِ أنْ نرَى مِصْر ذاتَ نهْضة وتقدُّم مَرمُوق في مجالِ التعليم.. لكِنْ المُستحيل أنْ تنهَض وهِيَ في ظِلِّ قيادَتِها الحَالِية.

 

"مهاتير محمد" في ضَوءِ 22 عامًا:

الحقِيقَةُ أنَّهُ لا يُمكِن تَحقيقُ نهْضةِ أيّ دَولة إلَّا عن طَريقِ الاهتِمامِ بمَنظومةِ التعليم، وهذهِ الحَقِيقةُ وَعَاهَا تمامًا "مهاتير محمد" رئيسُ الوزراءِ الماليزي، فرسَمَ خَريطة مُستقبليَّة لماليزيا حَدَّد فِيها الأهْداف والأولويَّات والنتائِج التي يَنبغِي أنْ يَصِلَ إليها بَعْدَ 10 سنَوات.. 20 سنَة.. إلى هَدَفْ 2020.

 

"مهاتير محمد" الذي عَمِلَ على نهْضةِ بِلادهِ التي كانَ يُحبُّها فعلًا.. في بِدايةِ الأمْر أعلَنَ أنَّهُ سَيترأسُ الحُكومَة ويعمَلُ بِكُلِّ قُواهُ على تَنفيذِ خُطتِهِ الإستراتيجية على أرضِ ماليزيا، وأضافَ أنَّهُ بَعدَ تنفيذِ خُطتِهِ أنَّهُ سَيتقدَّم باستقالتِهِ في حالةِ إذا نَجَحَتْ هذِهِ الخُطةُ، وبالفعْلِ نَجَحَت الخُطة، وعلى إثْرِ هذا استَقالَ مِنْ منصِبِهِ، وأعلَنَ اعتِزالُهُ السِياسِي عَام 2003.

 

قرَّرَ "مهاتير" وضْع الأهْدافِ التي مِنَ الأجْدَر تَحقيقها أوَّلًا، وكانَ الأوْلويَّةُ فِيها لمجال التعليمِ والبَحث العِلمِي حَيثُ وضَعَهُما على رأسِ أجِندَتِه، ثُمَّ بَعدَها التصنِيع حَيثُ انتَقلتْ مِنْ دَولة نامِيَة تَعيشُ على تَصديرِ المَوادِ والخاماتِ البسيطَة مِثلَ القَصْدير والمطاط إلى دَولة مُنتِجة.

 

تمكَّنَت ماليزيا مِنْ تَحقِيقِ نَجاحٍ مُبْهِر في مُعَدَّلاتِ التنمِيَة، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ مجالِ التعليمِ، حَيثُ استَطاعَت تأسِيسُ نِظام تعلِيم قَوِي ساعَدَها على قِيامِ اقتِصاد دَولِي عظِيم، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ الاهتِمامِ بالتعليم والبَحث العِلمي حَيثُ خصَّصت اعتِمادات ماليَّة ضخمة ساعدَتَها في نَهْضةِ التعليم والتُكنولوجْيا، فأصْبحَت نفَقاتِ التعليم مِنْ 7 مليار رينجيت ماليزي عام 2000 إلى 55 مليار رينجيت عام 2014 -وهذا أعلى مِنْ نفَقةِ الدِفاع- (الدولار يساوي 3 رينجيت تقريبًا).

 

تَجرُبَة التعليم في ماليزيا قامَت على أسْبابٍ رئِيسيَّة مِنها:

هذا التقدُّمُ المَنشُود لمْ تُحقِّقهُ ماليزيا إلَّا بَعدَ أهدافٍ مُحدَّدَة اشتَمَلت على استِقلالٍ واستِقرارٍ سياسِيّ، كما آمنَتْ بالتَأييدِ الشعْبي والتعايُشِ السِلمي بَينَ كافةِ أفرادِهِ كمَا عَمِلت على اتِحادِ جَميعِ الجِنسيات والطَوائِف التي كانَتْ في صِراعٍ دائِم

1- سارَعَت الحُكومَة بإنفَاقِ هذا المَبلغِ الكبير على بناءِ مَدارس حدِيثة وتزوِيدِها بأحدَثِ الأساليبِ التُكنولوجِيَّة.

 

2- أسَّست أمَاكِن مُخصَّصة لِتَدريبِ المُعلِّمين لِتَوعيتهِم بأهمِيَّةِ استِخدامِ طُرُقْ تعليميَّة مُتطوِّرة معَ الطُلاب.

 

3- انفتَحَت ماليزيا على نُظُم تعليميَّة أجنبيَّة حديثَة فسَارَت على النِظامِ البريطاني والأمريكي.

 

4- جدَّدَت مِنْ أسالِيبِ التعليم وحَرصَت على تَطويرِها، حَيثُ اتجهَتْ نَحوَ إقامَةِ العَديدِ مِنَ المَدارسِ الذَكيَّة، وهيَ مَدارس مُزوَّدَة بفُصول إلكتُرونيَّة يَستطيعُ الطالِبُ مِنْ خِلالِها التَواصلُ معَ المُعلِّم عنْ طَريقِ الأجهِزةِ الإلكتُرونيَّة.

 

5- عمِلتْ على دَعمِ المِنَحِ التعليمية إلى الخارِج فقامَتْ بإرسالِ بِعثاتٍ عَديدَة إلى الدُولِ الأجنبيَّة مِثلَ اليابان، كمَا أرسلتْ أبنائها إلى الأزهَرِ الشرِيف لدِراسةِ العُلومِ الشَرعيَّة.

 

6- حرِصَتْ علَى استِقدامِ الخِبْراتِ الأجنبِيَّة لتشد مِنْ أزْرِها في نهْضةِ التعليم.

 

7- استَحدثَت نُظُما تعليميَّة عَصريَّة أبرَزُها "مِنَصَّةُ أَبْصِرْ" للتعليمِ الإلكتُروني عنْ بُعد، والجَديرُ بالذِكرِ أنَّها تَحتوِي على دَوراتٍ عِلميَّة وتدريبيَّة مجانية بِشهاداتٍ مَختومَة فِعليَّا مِنْ الوِزارة الماليزية.

 

كُلُّ هذا التقدُّمُ المَنشُود لمْ تُحقِّقهُ ماليزيا إلَّا بَعدَ أهدافٍ مُحدَّدَة اشتَمَلت على استِقلالٍ واستِقرارٍ سياسِيّ، كما آمنَتْ بالتَأييدِ الشعْبي والتعايُشِ السِلمي بَينَ كافةِ أفرادِهِ كمَا عَمِلت على اتِحادِ جَميعِ الجِنسيات والطَوائِف التي كانَتْ- في صِراعٍ دائِم- مُنقسِمة إلى ثلاثِ فِرَقْ: الملايو 58%،وصينيين 24%،وهنود 7% وربطهِم برابِطة واثقة معًا، وشجَّعت الاعتِماد على الذات، وإلغاءِ التبَعيَّة واستِعطافِ صَندوقِ النَقدِ الدَوليّ، بالرغمِ مِنَ الظُروفِ الصعبَة التي عَصَفَت بِها، وخصَّصت إدارَة جيِّدة للدَولة حَيثُ عَمِلت على مُحاربَةِ الفَساد، وقامَت بإصلاحِ الجِهازِ الإدارِي واختِيارُهُ لعامِلين مُؤهِّلين لِتقلُّدِه لِتتكوَّن أمامَنا مُنظومَة إدَارِيَّة قَوِيَّة تَقودُ الدَولة نَحوَ الأهْدافِ المَنشودَة سابِقًا، ولِهَذا أطلقُوا على مهاتير محمد لقبْ "مُهَنْدِسُ التَنْمِيَّة".

 

ضَع بَصْمَتَك:

ما يقعُ على عاتِقِك أنتَ كفَردْ هُوَ العملُ في مَيدانِك الحُر، والبَحثُ عن مَجالِك المُتخصِّص الذي تُحبَّهُ وتَهوَاه، والذي بإمكانِك الإبداعُ فِيه وتطوِيره، فمِنْ خِلالِ العَمَل على هَدفِك يُصبِحْ لَديْكَ القُدرَة على إفادَة أُمَّتِكَ الإسلاميَّة بِعلمِك

بعدَ رَصدِنا لواقِعنا فإنَّ ما يُزيدُ الطينَ بلَّه أنْ يَستسلمَ الطُلاب لذلِكَ الواقِعُ المَشئوم، وتَرامَت بينهُم مَوجاتُ الإحباطِ والإحساسُ السلبيّ حَولَ "ما جَدْوَى التعليم ولِماذا نتعلَّم إذَن مادَامَ الوَضعُ سيِّئ بِرُمَّتِه؟! ومَنْ يَبكِي على اللبَنِ المَسكُوب مُتمنِّيًا مِصبَاحِ علاءِ الدين يُخرِجُهُ مِنْ قَوقَعَتِهِ إلى بِلاد تحتَرمُ التعليم وتُقدِّسُه. 

 

ولكِنْ السُؤالُ الذي يَطرَح نَفسُه؟

أنتَ كطالِب أو مُدرس "فَرْد" في مَنظومَة تعليميَّة فاسِدة مِنْ رأسِها إلى أخْمَصِ قَدمِها.. ما دَورُك وما بَصمتُك التي تترُكُ أثرًا إيجابيًّا على الأقَل على نفسِك ومَنْ حَولِك كحَلِّ مُؤقَت وبَدِيل؟

 

ما يقعُ على عاتِقِك أنتَ كفَردْ هُوَ العملُ في مَيدانِك الحُر، والبَحثُ عن مَجالِك المُتخصِّص الذي تُحبَّهُ وتَهوَاه، والذي بإمكانِك الإبداعُ فِيه وتطوِيره، فمِنْ خِلالِ العَمَل على هَدفِك يُصبِحْ لَديْكَ القُدرَة على إفادَة أُمَّتِكَ الإسلاميَّة بِعلمِك، إذ لوْ كُلُّ فردٍ مِنَّا عَمِلَ في مَيدانِهِ الحُر وتَرَكَ تَمتَمِةِ العِبارَات المُثبِّطة فمِنَ الطبيعِي سَنرَى النهْضَة أمامَنا شامِخة. 

وأخيرًا وليسَ آخرًا.. نَصيحَتِي لكْ: دَعْكَ مِنْ مُهاتَرات الطلبَة والتي تَنتشِرُ بينهُم بطريقِ الكوميدْيا الساخِرة، والتي تَتلخص فِيها عِبارَات كُلُّ المَقصودِ مِنها: "نَحنُ فاشِلون لأنَّ المَنظومَة فاشِلة"، و"يا رب مِش طالِب إلَّا النَجَاح"، وهكَذا عِبارَات كُلَّها تُشعِرُك أنَّهُ لا طُمُوح.. لا إرَادَة.. لا عَزيمَة البتَّة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.