شعار قسم مدونات

احموا الأمة أولا!

blogs جامعة الدول العربية

أمسٍ شتّتتْ "اتّفاقية سايكس-بيكو" العرب إلى 22 قُطرًا متنافرًا رغم ما يجمعهم من نسب وتاريخ ودِين ولسان وحضارة، لا يلتقي قادة تلك الأقطار في قِمم ما يُسمى "جامعة الدّول العربيّة" إلّا على مضض وعجل، وكأنّه يُراد لَهم ألّا يجتمعوا وألّا يتّفقوا!

الأُمّة في خطر!… أمسٍ كانت "اتّفاقية كامب ديفيد"، واليوم لا ندري ما اسم الـمدينة الّتي تحتضن ما يُطبَخ في الـخفاء للأُمّتيْن العربيّة والإسلاميّة، وإنْ بدتْ روائح غير طيّبة، لا نزال ننتظر أُكلة سياسيّة على شاكلة "ماكدونالد"، أخشى أن تكون مدينة عربيّة إسلاميّة لهكذا اتّفاق عار!؟ نَعم للأحلاف العسكريّة والسّياسيّة بيْن الأُمم والشّعوب والدّول لكن بما يحفظ ماء الوجه، وليس عبْر تبعيّة مقيتة تزيل كلّ شرف ومروءة وعزّة وكرامة وأنفة وشموخ!

ببراءة، أسأل: لِمَ يُراد للأُمّة التّفتيت كُلّ التّفتيت بأدوات الأُمّة!؟
يراد للأُمّة العبوديّة، أيّها الـحُكّام ألا تريدون الـحرّيّة لأنفسكم؟ الأُمّة تضيع! يا عرب، يا مسلمين: أليس بينكم رَجل حكيم!؟ أين حِكمة العرب!؟ أين شهامة العرب!؟ أين الإسلام الّذي تَدينون به!؟ أين القرءان الّذي تتلونه صباح مساء، نحن في رمضان شهر القرءان، ألا تجلدوا ذاتكم لحظة وتراجعوا أنفسكم!؟

أخشى أن يكون صعود قَطر في الـمجالات السّياسيّة والإعلاميّة والاقتصاديّة هو السّبب الرّئيس في كُلّ ما يَحدًث، وكي لا يعيق أيّ صهيونيّ من نشر أفكاره في العالَم بداية منَ "الكيان" الجاثم على فلسطين حينًا منَ الدّهر!

لا أفْضل من الـحوار بيْن الدّول قبْل قطْع أيّ علاقة دبلوماسيّة أو حصار اقتصاديّ لأنّ أضرار ذلك تمسّ الدّول نفسها والشّعوب في آنٍ، وهو منـزلق خطير نُحذّر منه، هكذا هي العلاقات الدّوليّة، ما يَحدُث هو تشتيت لشعب عربيّ واحد قسّمته أمسٍ "سايكس-بيكو" وتُقسِّمه اليوم مطامع أمريكيّة بدواعي "الإرهاب"!

بلد الحرميْن عزيز على كُلّ مسلم، قَطر معشوقة الشّعوب الضّعيفة، الإخوان الـمسلمون من أفضل الجماعات الّتي تسعَى إلى تكوين جيل البِناء في زمن الـهدم، حـماس من أحرص حركات الـمقاومة الفلسطينيّة على علاقات طيّبة مع كُلّ الأمم والشّعوب والدّول عدا "الكيان الصّهيونيّ" الّذي أراد ذلك، الجزيرة منهجها الرّأي والرّأي الآخر، العلّامة يوسف القرضاوي إمام الأُمّة ومرشدها مع رفقاء دربه من الدّعاة الأبرياء، جـمعيّتا قطر وعيد خيريّتان لا علاقة لَهما بإرهاب.

إنّ الأُمّة تتقطّع أوصالها؛ ألا تكفيها جِراحها العميقة!؟، قضية فلسطين لَم تجد حلًا حتّى الآن رغم اتّفاقية أوسلو، قضية الصّحراء الغربيّة بيْن الـجزائر والـمغرب، قضية مدينتي سبتة ومليلية الـمغربيتيْن اللّتيْن تحتلّهما إسبانيا، ما يَحدُث من نقاش حادٍّ هذه الأيّام بيْن الشّعب الـمصريّ ونظامه الـحاكم بشأن جزيرتي تيران وصنافير، والـخلاف بيْن مصر والسّودان يحتدم كُلّ مرّة حول جزيرة حلايب… والصّراع بيْن الإمارات العربيّة الـمتّحدة وإيران حول الـجزر الثّلاث طمب الكبرى وطمب الصغرى وأُمّ موسى، دعوات انفصال الأكراد عن العراق، وأزمات أخرى لَم تنتهِ بفعل الاستعباد والاستبداد والإفساد الّذي ينخر جسم الأُمّة لعهود رغم الاستقلال الـهشّ، ولا يزال الـخطر الثّلاثيّ تُغذّيه الثّورات الـمضادّة لربيع الشّعوب في سوريّة وليبيا واليمن ومصر وتونس والعراق.

إنّ الأُمّة مهدّدة في محو ثقافتها ولسانها وتاريخها ومجدها الحضاريّ… الأُمّة مهدّدة في مستقبلها حين يخور النفط والغاز، كُلّ البُلدان تحتاج تنمية… الأُمّة مهدّدة من العنف اللّفظيّ والـمادّيّ "الإرهاب". إذنْ، لا مناص عنِ الـحوار، هو سبيل حضاريّ بامتياز، لا يمكن بأيّ حال منَ الأحوال البُعد عنه… لا سبيل لأمن الـمنطقة العربيّة والإسلاميّة إلّا الـحوار الصّريح بيْن الأشقّاء الفرقاء.

مِن أولويات الـمرحلة حـماية الأُمّة من أيّ تمزيق… احـموا الأُمّة قبْل فوات الأوان، الأُمّة ينفرط عِقدها، هلْ من جامع؟ تذكّروا الـمخاض العسير الّذي سبق جمع القبائل ذات يوم لبناء تلك الأوطان، تذكّروا كيف كنتم لولا رسالة الإسلام الّذي أنقذكم ذات عصر جاهليّ حين جاء نبيّ الرّحمة ناشرًا الـمودّة بينكم باللّين والرّفق دون إكراه… إنّكم اليومَ تزيلون كُلّ أواصر الوَحدة والتّعاون بين أهْل الخليج بلّ بيْن العرب والـمسلمين كُلّهم.

إنّ ما يُطبَخ لتحجيم دور قَطر السّياسيّ والإعلاميّ والاقتصاديّ عبْر تلفيق تُهم واهية لَهو تحطيم لِما بناه العرب والـمسلمون… هلْ هكذا صار حال الأُمّة فتَهدّ نفسها بنفسها

أخشى أن يكون صعود قَطر في الـمجالات السّياسيّة والإعلاميّة والاقتصاديّة هو السّبب الرّئيس في كُلّ ما يَحدًث، وكي لا يعيق أيّ صهيونيّ من نشر أفكاره في العالَم بداية منَ "الكيان" الجاثم على فلسطين حينًا منَ الدّهر! وأخشى أن يرى آل سعود أنّ الحاكم صار في يد إمارة قَطر، وهو يختار ما لا يُرضِي قادة الـمملكة ومن يسير في فلكها خليجيًّا وعربيًّا ودوليًّا، وهنا مربط الفَرس!

إنّ ما يُطبَخ لتحجيم دور قَطر السّياسيّ والإعلاميّ والاقتصاديّ عبْر تلفيق تُهم واهية لَهو تحطيم لِما بناه العرب والـمسلمون… هلْ هكذا صار حال الأُمّة فتَهدّ نفسها بنفسها، هلْ غابتِ البصيرة في حضرة البصر!؟ في حين الشّعوب العربيّة والإسلاميّة لا تريد شرطيًّا لـ"الولايات المتحدة الأمريكية" ولا لغيرها في الـمنطقة، تريد عالَما عربيًّا مسلمًا خاليًا من بؤر التّوتّر، بعيدًا عن أيّ شبهة، وترفض كُلّ القواعد العسكريّة الأجنبيّة… حين تتحرّر الشّعوب تقود نفسها دون وصاية من أحد، وهي تقول بلسان مبين: لن يُغيِّر سياسة أيّ بلد إلّا أهله بإرادة حرّة، وهي رسالة جليّة، يجب أن يفهمها حُكّام العرب والـمسلمين… مُعْظم العرب والـمسلمين وأحرار العالَم يقفون ضدّ قرار "مقاطعة قَطر"، حتّى لا أقول: "حصار قَطر"!

إنّ ترمب يرى دول الخليج محميات أمريكيّة حفاظًا على مصالحه الحيويّة كأسلافه الّذين حرصوا على علاقات لا تخلو من سيطرة دون وجه حقّ، وليس لحمايتها منَ التّهديد الإيرانيّ كما يسوّق له، وإنْ كنّا نتحفّظ على جرائم إيران في الـمنطقة العربيّة، إنّه الابتزاز الأمريكيّ بعينه، وهو نفسه الابتزاز الرّوسيّ والإيرانيّ في سوريّة وغيرها… إنّ العرب هُم حُماة العرب من أيّ غزو إنْ صدقتِ النِّيّات عند أهْل القرار السّياسيّ الـمتوازن الّذي يحمي الشّعوب والأوطان وخيراتها دون الاستسلام، أمّا العلاقات الدّوليّة لها محدّداتها وظروفها وإمكاناتها! اجتهدوا في تفعيل كُلّ هيئات مجلس التّعاون الـخليجيّ كي يبقى موحّدًا متماسكًا لا تًهدّه الأعاصير.

إنّ ما يَحدُث ما هو إلّا هذا صراع أُمم ثلاث ولن ينتهي بيْن العرب والفرس والرّوم! ترتفع شدّته وتنخفض حسب توجيه الحاكم الّذي بيد "الولايات المتحدة الأمريكية" حاليًا فتختار "الـحلقة الأضعف" بإيعاز من متضرّرين من نداءات الشّعوب بالحرّيّة والعدالة والتّنمية! بعيدًا عن "كذب الإبل"، نقول: ليس مستحيلًا حلّ الأزمة الـخليجيّة الرّاهنة، وانطلاقًا من "البيّنة على منِ ادّعَى"، ولكُلّ بلد سيادته على شعبه ومقدِّراته، ولن يتهاون أحد في مكافحة الإرهاب بكُلّ أشكاله بداية من إزالة أسبابه، وهو خير علاج… نظلّ ننشد السّلام والـحرّيّة والعدالة والأمان في كُلّ قُطر أو مِصر.

احـموا الأُمّة أَوّلًا، دون حسابات فرديّة فهي لا تنفعكم بلْ تضرّكم وتضرّ شعوب العالَميْن العربيّ والإسلاميّ، ننتظر جهود الـحكماء والعلماء لرأب الصّدع الّذي يُصيب الأُمّة جميعا

بـهدوء، ندعو إلى إيقاف الـحملات الإعلاميّة والصّحفيّة منَ الطّرفيْن، وفسح الـمجال واسعًا لـحكماء العرب لعرض وساطات عادلة، والتزام الـحوار ضِمن مواثيق مجلس التّعاون الخليجيّ، وإلغاء قرار الـمقاطعة، وحلّ الـمشكلات الّتي ترتّبتْ عنها تجاه الدّول والشّعوب، وما أكثرها وأفظعها، وهي مستهجنة في الوطن العربيّ والإسلاميّ، تلك هي الـخطوات الأُولى والأَولى من أجل البحث كُلّ البحث عن حلول جذريّة لـجميع الـمشكلات العالقة كي لا تصير أزمات مستقبلًا.

إنّ الأُمّة العربيّة والإسلاميّة ترفض أيّ تفتيت لها من أهلها ومن غيرها!؟ احـموا الأُمّة أَوّلًا، دون حسابات فرديّة فهي لا تنفعكم بلْ تضرّكم وتضرّ شعوب العالَميْن العربيّ والإسلاميّ، ننتظر جهود الـحكماء والعلماء لرأب الصّدع الّذي يُصيب الأُمّة جميعا… إنْ عجزتم أو فشلتم، دعوا الأُمّة تحمي نفسها، وهي أقدر على ذلك!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.