شعار قسم مدونات

لماذا غربنة أطباقنا الشرقية؟

blogs - أكل عربي
قبيل شهر رمضان المبارك امتلأت صفحتي الشخصية على الفيس بوك بإعلانات لوصفات وطرق تحضير لأطباق وأكلات من مختلف الدول العربية من شرقها لشمالها، وهذا الحشو الإعلاني؛ أمرٌ قد أصبح اعتياديا ومتوقع ظهوره قبل دخول الشهر. وكما هو معروف فإنه في شهر رمضان ترتفع درجة الروحانيات والإيمانيات حيث يتسابق الصائمون لتلاوة القرآن وأداء الفروض والبذل في العطاء، وفي الوقت نفسه أيضا تظهر وتبرز فنون الطبخ والتقديم وارتفاع روائح المأكولات وظهور أطباق جديدة، و(خلط وعصر) كل انواع العصائر والمشروبات، وكل ذلك ما هو إلا حشوٌ للبطون حتى الحلقوم.
هذا التفنن (الطبخي والمطبخي) السنوي يعتبر فرصة تجارية لكبرى شركات المنتجات الغذائية (من جِبنها للحمها، ومن شوكولاتها ولقشطتها، ومن خضرواتها لفواكهها، ومن عصائرها الطبيعية لغازاتها) إلى طرح إعلانات منتجاتها الغذائية عن طريق شاشة التلفاز الذي يعتبر هو نقطة تجمع مهمة للأسرة لمشاهدة الجديد من المسلسلات والبرامج الترفيهية الرمضانية، ونظراً لانقطاعي عن مشاهدة التلفزيون في رمضان إلا أن شخصي الضعيف لاحظ ازدياد وحضور تلك الإعلانات بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، فلا تستطيع مشاهدة فيديو على اليوتيوب أو الفيسبوك إلا وقد تخلله إعلان ترويجي لأحد المنتجات الغذائية.

لكن الصدمة التي واجهتني من خلال محاولاتي الفضولية لمعرفة محتوى تلك الإعلانات الترويجية هي الوصفات (المستحدثة) في إعداد الأطباق الشرقية الأصيلة! فوجدت أن الجبنة قد أَضيفت للأرز مع اللحم وأيضا للسليق، وتم خلط الخل مع التمر، وأضيفت الفواكه للسمبوسة، وتم إضافة الأفوكادو لكل العصائر البلدية، والشوكولاتة للتبولة، والحليب المركز المحلى للشوربة، والأوريو للكليجة والكريمة للكوارع والهوت دوق للفول، ومثل تلك الوصفات الكثير! والسؤال الذي طرح نفسه: لماذا؟ ومتى وكيف سولت لكم أنفسكم!

من أساسيات فكرة إعداد أي طبق شهي وأصيل هو الالتزام بالمكونات الأساسية للأطباق وتقديمها بالشكل المتعارف عليه، ولضمان الالتزام بتلك المعايير اتجهت أوروبا لإنشاء مدارس للطبخ وفنونه، حيث إن خريجي تلك المدارس يمارسون الطبخ كمهنة مرموقة.

المائدة العربية والأطباق الغربية:
منذ التسعينيات نجد أن فكرة المطبخ الأوروبي -أو بشكل أعم المطبخ الغربي- قد وجدت لنفسها منفذا للوصول إلى المنطقة العربية، ومع مرور السنوات نجد أنها قد خلقت لنفسها قاعدة جماهيرية في معظم الدول العربية، ويمكن ملاحظة دلالات ذلك في انتشار المطاعم الغربية بشكل كبير سواء مطاعم الوجبات السريعة أو مطاعم الخمس نجوم، أيضا ظهور الوجبات والشطائر الغربية في قائمة المطاعم البلدية، وتسابقت ربات البيوت العربيات في الإعداد والتفنن في تحضير هذه الأطباق من المطبخ الأوروبي في محاولة للظهور بمظهر الحداثة والانفتاح والمواكبة.

إن دلالات الجماهيرية تلك هي مؤشر لازدياد الطلب على الطبخ الأوروبي كمرحلة متوقعة بسبب الحداثة في القرن العشرين، وإضافتها هو تجديد واستحداث للمائدة العربية، مما وضع الطبق التقليدي في تنافس مع الطبق الغربي. لكن هنالك اختلاف في الدول والشعوب في مدى قابليتها في تقبل والسماح بدخول هذا الدخيل الغربي مجتمعاتها أو حتى سماحها بتواجده على المائدة نفسها.

الطبخ الكلاسيكي والحداثة:
إن من أساسيات فكرة إعداد أي طبق (شهي وأصيل) هو الالتزام بالمكونات والمقادير الأساسية في إعداد الأطباق وتقديمها بالشكل المتعارف والمتفق عليه، ولضمان الالتزام بتلك المعايير اتجهت أوروبا ودول الغرب بشكل عام لإنشاء مدارس للطبخ وفنونه، حيث إن خريجي تلك المدارس يمارسون الطبخ كمهنة مرموقة، وهي محصلة دراسة تمدد لسنوات لجميع جوانب وأساسيات الطبخ، فيحصل خريج هذه المدرسة على لقب (شيف)، ووظيفته ضمان جودة تلك الأطباق عن طريق الالتزام بالطرق والأساليب والمعايير الأساسية في إعدادها، وإضافة اللمسات الشخصية هو مطلب للتميز عن بقية ممارسي مهنة (الشيف) وفي الغالب هم إما يديرون مطاعمهم الخاصة أو مديري مطاعم في فنادق مرموقة أو مطاعم عالمية ذات نجوم خمس أو أكثر، ويعتبر مرتادو هذه المطاعم هم الطبقة (الذوّاقة).

أُحيي مجهودات الشركات في تسويق منتجاتها الغذائية بشكل مبدع خلال شهر رمضان، وأيضا أُحيي مجهودات هواة الطبخ الحديث في تقديم وصفات جديدة للبطون العربية، لكن الرجاء الابتعاد عن غربنة أطباقنا الشرقية.

وبالتوازي مع ارتفاع شعبية فن الطبخ الكلاسيكي ظهر هواة الطبخ الحديث، وهم فئة اكتسبت هواية فن الطبخ و(النَفَس) في إعداد الأكلات العديدة من المحيط الذي عاشوا فيه، فقد تكون الأم أو الأب أو الجدة أو الخالة أو أي فرد محيط به كان له التأثير في تفننه (الطبيخي)، وحظي هذا النوع من الطبخ قبولا واستحساناً كبيراً خصوصا بعد انتشار صفحات الطبخ المختلفة على وسائل التواصل الإجتماعي التي تقدم وصفات مستحدثة وأفكار جديدة وسريعة الإعداد في 30 دقيقة (واتضح أنها في الواقع تحتاج ساعات لإعدادها)، حيث مكوناتها البسيطة تناسب جميع فئات المجتمع من موظفين وربات بيوت وشباب، لأن الجميع قد أُصيب بقصر البال في إنجاز الأمور في عصر السرعة!

الشرقية والإبقاء على الأصل:
حصل خلط عند هواة الطبخ بين مفهوم تحديث الأطباق وبين استحداث أطباق جديدة بأفكار إبداعية، وطرح فكرة تحديث الأطباق الأصيلة في الإعلانات لا تجذب المستهلك وبالتالي لا تخدم عرضك التجاري. وفي رأيي أيضا فإن أطباقنا الشرقية تنتمي للفئة الكلاسيكية التي لا تقبل التحديث، وهو أمر غير مقبول أن يتم تقديم هذه الأطباق الشرقية الكلاسيكية في إطار للحداثة، لأنه من المفجع أن أجد طبق الكسكسي بالأفوكادو، أو العصيدة بالبروكلي، أو الكبسة بالجبنة، أو السمبوسة بقطع الفواكه، أو الكشري بالشوكولاتة.

إن طابع الكلاسيكية والإبقاء على أصول الأطباق هو ما جعلها تنجو بعد كل هذه السنوات منذ أن أعدها أول شخص من قديم الزمان، والتي أصبحت أطباقاً خاصة يتميز بها كل مجتمع وتنفرد بها الدول، ولزاماً يجب أن تُقدم هذه الأطباق للعالم بكلاسيكيتها الأصيلة بدون تحريف أو تحديث.

أخيراً، أُحيي مجهودات الشركات في تسويق منتجاتها الغذائية بشكل مبدع خلال شهر رمضان، وأيضا أُحيي مجهودات هواة الطبخ الحديث في تقديم وصفات جديدة للبطون العربية، لكن الرجاء الابتعاد عن غربنة أطباقنا الشرقية. حما الله عصيدتنا السودانية من البروكلي…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.