شعار قسم مدونات

وقفة مع خطاب عدنان إبراهيم

blogs عدنان ابراهيم

لا تحاول هذه التدوينة الرد على خطب عدنان إبراهيم، إنما تحاول أن تقف عند طبيعة خطابه وبعض المفردات التي يستخدمها والتي تلقى استحسانا لدى فئة عريضة من الشباب. بداية أرى أنه من الظلم أن يتشكل عند الناس صورة سلبية عن تراثهم انطلاقا من مقاطع فيديوهات تتأثر جودتها بقوة أو ضعف صبيب الإنترنت في الدول الإسلامية، ولا أعتقد أنه من الأمانة العلمية أيضا أن نحسم جدالات تاريخية وشرعية وعلمية جد معقدة فقط من خلال التغريدات والعناوين على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، أو نحسم قضية خلق أمنا حواء بمجرد تأويل لآيات قرآنية والادعاء بأنه التأويل الصحيح والمنطقي والقوي الذي يصدم كل المفسرين المتقدمين منهم والمتأخرين.

فإذا كان عدنان إبراهيم يريد مراجعة أحاديث صحيح البخاري مثلا، فعليه أن يأتي بمنهج جديد يحاكم به كل الأحاديث التي أوردها البخاري في صحيحه، أو عليه أن يلتزم بمنهجه في تخريج الأحاديث ويوضح لنا في نفس الوقت أين ومتى وكيف أخطأ في كتابه. لذلك نجد أن غياب منهج واضح ومحدد عند عدنان إبراهيم يعوضه بخطاب قوي يعتمد فيه على مفردات وعبارات تلقى صدى كبيرا لدى كثير من الشباب.

إذا كان عدنان إبراهيم متشبثا بصدق الروايات المتواترة وتأويل ما استعصي فهمه منها فإنه حتما في غياب مفهوم منضبط لما هو عقلي عند الشباب سيجعلهم يشككون حتى في الآيات القرآنية المتواترة.

يقدم عدنان إبراهيم نفسه على أنه مسلم سني يدافع عن الإسلام الصحيح الذي تعرض للتشويه نتيجة ما يشوب بعض كتب الأحاديث من عوار وما يحتويه التراث الإسلامي من فتاوى وأحكام تسببت في الجمود التي تعرفه الأمة وتنامي ظاهرة العنف في مجتمعاتها. يبدأ عدنان إبراهيم كلامه دائما بالحديث عن العلم والتقدم الذي يعيشه العالم المعاصر، وبعد أن يقدم صورة جميلة لما وصلت إليها الإنسانية من رقي وازدهار يعرج على حال الأمة المتخلف البئيس. وله مقطع فيديو على اليوتيوب لقي شهرة واسعة وهو يتحسر على ما وصلت إليه حال الأمة نال به استحسان فئات كثيرة من مختلف الأيديولوجيات والمعتقدات، وهو المقطع الذي نال به ربما هذه الشهرة وجعل الشباب يتهافتون على خطبه.

إن هذا النوع من المقدمات أشبه بجلسة استرخاء في عيادة طبية، فطبيعة المفردات المستعملة ونبرة الصوت وحركات اليدين والرأس وهندامه الأنيق تجعل من عدنان إبراهيم الطبيب النفسي الذي ترتاح له بعد أن يشخص لك المرض بدقة فائقة يجعلك تسلم له عقلك وأنت تسأله ما العمل الآن يا دكتور؟

قوة عدنان إبراهيم لا تكمن فيما يقترحه من حلول إنما في قدرته على إقناعك بتشخيصه لواقع المسلمين والذي يضعك في حالة نفسية تجعلك تقتنع بما يقوله لك من حلول ورؤى شخصية. فقوته لا تكمن في قدرته على رد حديث في صحيح البخاري كما يبدو لأول وهلة إنما في قدرته على استعمال قوته الخطابية ومفرداته التي ينتقد فيه حال الأمة في نقده للأحاديث.

يستعمل عدنان إبراهيم بعض الكلمات التي تفتقد للباقة في حديثه عن الصحابة، والتي تجد قبولا عند كثير من الشباب الذين يعتبرونها شجاعة وثورة منه في تسمية الأشياء بمسمياتها، وكسر صفة العصمة التي شكلت عن أصحاب رسول الله في بعض كتب التراث التي ينتقدها عدنان باستمرار. وكأمثلة على ذلك وصفه أم المؤمنين بالجاهلة، ومخاطبته صحابيا جليلا بقوله "يا أخي خلي عندك شوية دم" أو قوله "يلعن أبو الدنيا" في بعض انفعالاته.

لست هنا كي أتابع زلات عدنان إبراهيم في خطبه، إنما المقصود من هذه الأمثلة أن الثورة على المألوف دائما تلقى قبولا عند الشباب المندفع. ومن نتائج هذه الثورة على المألوف أن كثيرا من الشباب ينهلون من نفس قاموس عدنان إبراهيم في النقد ولكن بشكل أكثر اندفاعا وغلظة. من المفردات التي يكثر عدنان إبراهيم استعمالها أيضا نجد كلمة العقل، الذي يدعو إلى استخدامه في تمحيص الأحاديث والقصص وتفسيرات القرآن.

إن مفهوم العقل لدى كثير من الناس هو ما يستسيغونه ويقبلونه، وهو بهذا المفهوم يختلف من شخص لآخر. بل إن الناس يخلطون بين العقل وبين "ما جرت عليه العادة" أو ما تعودوه، فسقوط رضيع من الطابق العاشر مثلا دون كسور في جسمه أمر يخالف العادة التي تعود عليها الناس ولكنه لايخالف العقل، كما أن انشقاق البحر وتحول العصى إلى أفعى هي أمور لا تخالف العقل ولكنها تخالف ما جرت عليه عادة الناس. فهي أمور يمكن تصورها لكن لم يعتد الناس عليها وعلى حدوثها.

ويبقى أن أخطر ما في خطاب عدنان إبراهيم هو أن يتبناه من يسمع لأول مرة عن صحيح البخاري من خلال عنوان فيديو سجل في أحد مساجد فيينا وبث على شبكات التواصل الاجتماعي.

لذلك نجد صعوبة في ضبط مفهوم العقل الذي يدعو عدنان إبراهيم إلى استعماله لأن العقل الذي يرفض به بعض الأحاديث هو نفس العقل الذي صدق به قصة طيران أحد الأولياء الصالحين وهو نفس العقل الذي يؤول به الآيات التي يستعصى فهمها وهو نفس العقل الذي يعارض به بعض تفسيرات القرآن الكريم.

إذن في غياب مفهوم محدد للعقل فإن المفهوم الذي يستقر عند كثير من الشباب هو ما تستسيغه عقولهم ولا شيء آخر. وإذا كان عدنان إبراهيم متشبثا بصدق الروايات المتواترة وتأويل ما استعصي فهمه منها فإنه حتما في غياب مفهوم منضبط لما هو عقلي عند الشباب سيجعلهم يشككون حتى في الآيات القرآنية المتواترة ربما لأن عقولهم لا تستسيغ تأويلات المفسرين أو حتى تأويلات عدنان إبراهيم نفسه.

وهناك كثير من المفردات والعبارات الأخرى التي يبني بها خطابه في غياب أي منهج واضح المعالم في رؤيته ونقده للتراث الإسلامي كالتسلح بالعلم والمعرفة وكثير من الكلمات العامة الفضفاضة التي لا تنضبط لسياق واحد ومعنًى أوحد. ويبقى أن أخطر ما في خطاب عدنان إبراهيم هو أن يتبناه من يسمع لأول مرة عن صحيح البخاري من خلال عنوان فيديو سجل في أحد مساجد فيينا وبث على شبكات التواصل الاجتماعي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.