شعار قسم مدونات

من الهجرة لبناءِ أمّة

blogs لاجئ سوري

من هجرةٍ قاسيةٍ ضربت فأوجعت وأهلكت وشرّدت فُرضت على جموع الشعب السوري بعد مناداته بحقّه كإنسانٍ يحيا في هذه الدنيا، منها إلى هدفٍ أصبح نُصبَ الأعينِ بالخروج والرجوع بأمّةٍ تعيد أمجاداً فقدناها وأصبحنا نحلم بها فأذلّنا كلّ من لا شأن له بنا. إلى ذاك الهدف المُشرقِ نتوجه ونسير.. إلى ذاك المستقبل القريب الذي هو للأحرار للنبهاء للمتعلمين لغير العبيد والذي سنزهر به في كل مكان نسيرُ به ونحيا .من هذا المنطلق أوكلنا أنفسنا طاقاتها بكل صعيدٍ علميّ نفسيّ، معنوي، أدبي وقلميّ مسؤولية هذا البناء الذي يحتاج منّا أن نقدم كل ما في نفوسنا له..

في بيتٍ صغيرٍ كان يسترُ ما نعايشه دوماً.. إلى خيمةٍ لا تقي حرّ الصيف القاسي ولا تُدفئ عظاماً في شتاءٍ تحوّل لإحدى فصول القطب المتجمد على قاطنيه.. رحلنا، أو لنقل رُحّلنا فما كان الرحيل عن وطننا اختيارنا يوماً وما كان اختيار الهجرة خيارنا وإنما كُتب ذاك الأمر كما كتب غيره علينا وكما يقول الدكتور البرغوثي: يا كاتب التاريخ ماذا جدّ فاستثنيتنا!

لا زال الأملُ طريقَ المُتعبين المُعدمين الذي يحتون الشغف ذاك.. ولا زال الأمل طريقنا للوصول الى ذاك المجد.. فهنا يكمن لغز كل شيء

وهنا وعندما أنظر وأدرس هذه الكتب الكثيرة من حولي في حرٍّ لا يُطاق وفي بردٍ لا يُدفئه إلى حضن وطني وفي تشردٍ يقسو بنا فيكوينا وفي ضياعٍ وقساوةِ ظروفٍ وفي كلّ ما لا يعيشه أي آدمي قرّر أن يكون طالباً يخطو قدماً ليكون طالبَ علمٍ يسعى في قساوة الظروف وبؤسها، في هذه الظروف أزهرنا وإن حاولوا دوما أن يدفنونا.. فهنا ولطالما كانت تراودني تلك الأفكار الى أين أسير بهذا الطريق الوعر الصعب!

لماذا لا أمتهن مهنةً كأي شخص عاديّ ترك بلده وذهب ليؤمن لقيمات أهله! ولماذا هذا الإرهاق الذي أعانيه وأعيشه وأنا لست مجبوراً به، بينما ينعم الآخرون بالمكيّفات التي تقيهم هذا وبالبيوت التي تحويهم وبالمال الذي يُعينهم، ولكن ما الذي أبقى الدافع وما هو هذا الشغف الذي يحتوي أذهاننا! ولا زال الأملُ طريقَ المُتعبين المُعدمين الذي يحتون الشغف ذاك.. ولا زال الأمل طريقنا للوصول الى ذاك المجد..  فهنا يكمن لغز كل شيء وكيف كان بإمكان أولئك الذين عانوا كل تلك الظروف السيئة والذين قطنوا مخيماتٍ بالية أن يحصدوا ما لم يحصده أصحاب الظروف الحسنة ؟

حيث نقول: فمن كان مسيره في علمه إلى شهرةٍ يجدها أو مالٍ يُسكت به فقره وتعبه أو راحةٍ بجلوس طويل يكسب به ما يريد فمسيره إلى جحيمٍ لا يدركه ومسيرته إلى دنيا يتمتع بها ويرى بها ذلّا له ولمن حوله ويرى بها فقراً يحكم هذا العالم وظلماً يُعتم وليلاً ما بعده فجراً.. ومسيره إلى ظلام لن يوفقه به الله ولن يدعمه به..

وأمّا من كان مسيره إلى أمة يرقى بها وإلى جهلٍ يزيله بعلمه وإلى عدالةٍ يُحقّقها بكفآته وإلى فقيرٍ يزيل عنه ألم فقره، ومسكينٍ ينشل عنه مواجعه وآلامه فمسيره إلى جنّة يلقاها من صبر ويلقاها من كان صادقاً في مسيره وإلى نورٍ يُشرق به على هذه الأمة وعلى فجر يُضيء به ظلاماً اعتدناه.. وعند هذه النية كان ازهارنا وكانت نتائجنا وكنا نقدم لوطننا ونحن بعيدون عنه وإن كان بقرب قلوبنا دوماً..

عقلك ثم عقلك ثم عقلك أوجده الله بك لتكون الخليفة في هذه الأرض لتكون مشروع عُمرٍ، مشروع عدلٍ لتكون أمّة وإن كنت وحيداً لتكون أو لا تكون، فاختر يا صديقي موقعك وتحسّسه من هذا الركب الذي سوف يبني أمجاد هذه الأمّة

(فتحسّسوا مواقعكم) يا أخواني ولتعلم أن هذه الأمة لا تحتاج منك الّا تغييراً ورقيًّ، لا تحتاج منك الّا صدقاً تسير به.. يا أيها الطلبة السائرون في دروب العلم أينما كنتم ويا من تحملُ عبء رِفعة هذه الأمة لِتصدق يا صديقي أينما كنت ولتضعُ نصبَ أعينك رفعة ونهوض أمّتك أينما كان مكانك، فبكَ نسمو جميعاً وعليكَ بعد الله نتوكّل جميعاً.. بعلمك بعقلك بقلمك بكتابك بحفظك لقرآنك بفهمك له بمجاهدتك نفسك.  بكل تلك الأمور ستكون خليفةً لله على للأرض.. سنكون جميعاً خلفاءً مستخلفين بالعلم والرقيّ..

فعقلك ثم عقلك ثم عقلك أوجده الله بك لتكون الخليفة في هذه الأرض لتكون مشروع عُمرٍ، مشروع عدلٍ لتكون أمّة وإن كنت وحيداً لتكون أو لا تكون، فاختر يا صديقي موقعك وتحسّسه من هذا الركب الذي سوف يبني أمجاد هذه الأمّة.. اختر لهذه الأمة فإمّا ذلّا وتخلّفا وظلماً يُعتمنا ويُظلمنا وإما علماً ورُقيّاً وسلاماً ونعيماً يضيئنا وينير دروب كلّ من تراه أو لا تراه..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.