شعار قسم مدونات

اللغة الزرقاء في المغرب

BLOGS- التعليم بالفرنسي
واقعة الوزيرة بوطالب وعدم إتقانها للدارجة "العامية" في جلسة عمومية داخل البرلمان المغربي أحالني بشكل غير مباشر إلى مقال قرأته ربما منذ سنوات حول "الدم الأزرق"، والذي ينطبق ليس على بو طالب وحدها لكن حتى على قنصلة المغرب في باريس وتعنيفها لخادمتها، كما ينطبق إلى حد كبير على "ولد لفشوش"* الذي استهزأ بالشرطة بعد قيامه بحادثة سير.

تاريخيا ارتبط مفهوم أصحاب الدم الأزرق بطبقة الأرستقراطيين والنبلاء في أروبا وخاصة في إسبانيا، حيث كان يطلق هذا اللقب على العائلة المالكة والحاشية من النبلاء وعلية القوم. وكانت بشرة هذه الفئة تتميز بلون الأوردة السطحية الزرقاء لعدم تعرضهم لأشعة الشمس كما هو حال الطبقة الكادحة والتي تقوم بأعمال شاقة وفي شمس حارقة، فتصبح بشرتهم داكنة. كما استعمل هذا المصطلح "الدم الأزرق" أو (sangre azul) للتمييز بين الإسبان ذوي الأصول الأوروبية والعرب أو المسلمين القادمين من إفريقيا إبان حكم الأندلس. أي أن العبارة هي تمييز طبقي خالص.

أصبحت اللغة الزرقاء تستغل منصات التواصل المتاحة لها لتجلد كل من لم يتقن لغتها (أو يتجاوز مشاكلها أو يستعلي عليها) من طبقة الأرستقراطيين الجدد، في فرض جديد لقواعد اللعبة الطبقية.

وبالرجوع إلى بلدنا العزيز، نجد أن هذا المفهوم الطبقي لا يزال قائما لكن في تجليات مختلفة أقواها اللغة، فالتمييز بين أصحاب اللغة الزرقاء" الفرنسية" وبين أبناء الشعب يكون باللغة التي يتقنها، فهي دالة على طبقته، على طموحاته وعلى أقصى أو أدنى ما يمكن أن يصل إليه في حياته. حتى أن اللغة أصبحت هي المحدد لمدى كفاءتك المهنية، فالمتقن للغة الفرنسية يعطي الانطباع أنه متمكن مما يقول ومما سيقوم به. في حين أن المنسيين من أبناء الشعب لا يتقنون اللغة الزرقاء "والتي ينبني عليها اقتصاد البلد سواء في التواصل اليومي في الشركات أو في المعاملات ت الاقتصادية" وليس بإمكانهم ولوج تعليم مناسب لتطلعاتهم وطموحاتهم، فيعانون الأمرين ليجدوا لهم مكان داخل النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلد.

بطبيعة الحال أسباب هذه الفوارق اللغوية معروفة للقاصي والداني، وهذا ليس ما أريد أن أركز عليه. المهم هنا هو أن فئة من أبناء الطبقة الكادحة شقت لها طريقا بين أدغال التمييز والظلم الاجتماعي لتجد نفسها تمتلك اللغة -سواء العربية أو الفرنسية أو حتى الإنجليزية- ولكن الأهم تمتلك الفهم للواقع والذي كان مغيبا عنها، فأصبحت تؤثر في السياسة بوسائلها البسيطة (انتخابات، نشر المعرفة، التكتل والنقد في مواقع التواصل الاجتماعي..)..

وأصبحت اللغة الزرقاء تستغل منصات التواصل المتاحة لها لتجلد كل من لم يتقن لغتها (أو يتجاوز مشاكلها أو يستعلي عليها) من طبقة الأرستقراطيين الجدد، في فرض جديد لقواعد اللعبة الطبقية، والذي قد يؤدي إلى توازن أكبر على المدى المتوسط أو البعيد. فكل هذا الجدل الذي أثير حول هذه القضية أو ما يشبهها من القضايا لا يدل في ذاته على تغيير إيجابي، لكنه يؤشر على مرحلة جديدة رغم كل الضبابية التي يتسم بها الواقع الاجتماعي والسياسي للبلد.

_______________________________________
ولد لفشوش: الولد المدلل

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.