شعار قسم مدونات

الـسُّـم يـمـلأ بـيـوتـنـا

blogs - دونات
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقول: "إن أول بلاء نزل في هذه الأمة بعد وفات نبيها – محمد صلى الله عليه وسلم – الشبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم إمتلأت أبدانهم، فلما امتلأت أبدانهم تصلبت قلوبهم وجمحت شهواتهم. فقيل إن السر وراء التحكم في شهوات الإنسان هو التحكم في شهوة البطن.

تاريخ الطعام 
قبل مئة عام، قبيل قرن واحد فحسب، كانت أسواق الطعام بسيطة غير معقدة مليئة بالقيم الغذائية، حيث كانت كل المنتجات مواد طبيعية مستخرجة من مصدرها الطبيعي. في عام 1910 م ظهر الطعام المعالج، وبعدها بقعدين دخل مفهوم الطعام المثلج، ثم تلا ذلك عقد أوجد الوجبات السريعة والأكل السريع، وفي عام 1994م بدأ إنتاج الطعام المعدل وراثياً.. وكل هذه الأطعمة تندرج تحت فئة الطعام المعالج غير المفيد للصحة البتة. ثم القرن الواحد والعشرين، والذي ملأ الدنيا بالمحال التجارية وما نسميه بلغتنا "المولات، والسوبر ماركت" والتي تحمل في جوفها أضر الطعام وأشهاه في آن واحد.

طعامنا اليوم

قال رسولنا الكريم: "مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ". رواه الترمذي.

من المهم جداً أن نعلم اليوم أن معظم طعامنا ينتج في معامل ومختبرات كيميائية بهدف الإدمان عليه، حيث يتم الوصول لهذه الغاية عن طريق الملح والسكر والدهون المعالجة والمكررة غير المفيدة للجسم البتة. ومعظم هذا الطعام لا يحوي أي فيتامينات أو معادن مفيدة للجسد، بل وتساعد بشكل كبير في إبلاء هذا الجسد، "وعن جسده في ما أبلاه".

فمثلاً: عملية إنتاج السكر الأبيض، والذي يملأ بطوننا وبويتنا، فهو ينتج من قصب السكر والشمندر، من خلال تكريرهم بحيث يفقد السكر الذي تحمله هذه الأطعمة الطبيعية 64 عنصر مفيد للإنسان، مما يعني أن السكر مادة خاوية، لا تحمل سوى السعرات الحرارية. إذن، بلا أدنى شك أننا بحاجة للسكر الطبيعي المليء بالعناصر المانحة لنا قوتنا ونمونا، والتي سناخذها رغما عنا من الحبوب والإبر والعقاقير التي تباع.

تماما كأنني ذهبت للهند لدراسة اللغة الصينية! وعند الحديث عن أضرار السكر الأبيض، فحدث ولا حرج! يكفيك أن تدرك بأن ملعقة صغيرة تضعف مناعة الجسد 50 بالمئة لمدة ساعتين، وأنه سبب لسبعة وعشرين مرض. وهذا كله غيض من فيض، فالسكر واحد من سلسلة الأطعمة الخاوية من الحياة.

تأملات
الأكل المزيف كثير، والشهوة فينا جامحة، والصحة كنز لا يعوض بثمن. والتجارب التي أجريت كثيرة جداً، ولا يسعني ذكرها هنا، يكفي أن تعي أن مطعماً في الولايات المتحدة الأمريكية، أصيب فيه أربعة أشخاص بازمات قلبية جراء تناول وجبة سريعة، وأن ذات المطعم سجل رقماً قياسا في "غينيس" من خلال 10000 سعرة حرارية في "سنوديشة هامبورغر" واحدة، أي ما يعادل طعام 10 أيام تقريبا!
ومن ناحية الذوق والطعم، فإن طعم هذه الأطعمة يفوق ضررها عند الكثير، خاصة بزيادة نسب الكولسترول والدهون في الوجبة، والذي بدوره يقوم بمهامه الكثيرة من ضرر وتدمير وإدمان.

التحذيرات كثيرة جداً، والتثقيف في كل مكان، والوعي قليل جداً! بلا شك، نحن بحاجة لقانون يدين من يتناول مثل هذه الأطعمة، وبحاجة لقاعدة إعلامية جديدة توضح الخطر القاطن داخل قلب هذه الوجبات، ولقلب الطاولة، وجعل الطعام الصحي أرخص وأكثر وفرة من الطعام البال. ونقطة مهمة تاخذ مكاناً وحيزاً كبيرين هنا، وهي مرض السمنة! المرض الذي تعرفنا عليه بشكل واضح منذ قرن تقريبا، والذي نسبته لا زالت في نمو وازدياد.

عند الحديث عن أضرار السكر الأبيض، فحدث ولا حرج! يكفيك أن تدرك بأن ملعقة صغيرة تضعف مناعة الجسد 50 بالمئة لمدة ساعتين، وأنه سبب لسبعة وعشرين مرضا.

المرض الذي يصطحب عدة أمراض معه، المرض الذي يقلل من إنتاجية البشرية، ويبعدها عن مسارها القويم، المرض الذي يقتل، وحسب مؤشرات صحية عالمية أشخاصا أكثر مما يقتل عدم توافر الطعام. الدراسات كثيرة والمقالات أكثر، فالقلب يَبلى بنسبة 20 بالمئة إذا ما كنت تتناول بالإسبوع وجبة سريعة واحدة، وتزيد النسبة لخمسين بالمئة ما إن تناولت وجبتين لثلاثة، وتصل لغاية 80 بالمئة ما إن تناولت أكثر من أربع مرات!!

لا أخلاق ولا إنسانية ولا فطرة في ما يحدث بحق الصحة، حيث تشير الدراسات الأخيرة بأن معدل أعمار البشر سيقل من 7 إلى 12 سنة مع نظام الأكل السريع وخاصة مع الجيل الحالي. علينا أن نقف أمام هذا الكم الهائل من الناس الذين يتاجرون بصحتنا، ويبيعون عناصر حياتنا مقابل إشباع جموح شهواتهم. ولا شك أن لنا دوراً هاماً في السيطرة على ما يحدث بنا كأول خطوة، من خلال التقليل الواعي للطعام، والتنظيم والتركيز عل النوع لا الكم.

وأخيراً وليس آخراً كما قال رسولنا الكريم: "مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ". رواه الترمذي، وما أحوجنا لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.