شعار قسم مدونات

ليست مذهبية.. بل مصلحية

blogs - الأرض
أن تُخلق في هذا الزمن تحديداً، على هذه البقعة من الأرض تحديداً، وفي هذه الظروف! لا أدري أي حظ عاثر هذا.. منذ ولادة العشرينيين منّا وحتى الثلاثيين، ومنطقتنا وزماننا وظروفنا، من عقدة إلى أعقد ومن صعب إلى أصعب! نعيش قهر المواطنة وقهر الجغرافية وقهر الأيدلوجيا وقهر الأمن وقهر الوطن والوطنية، وقهر رغيف الخبز وقهر المقارنات الصعبة، وقهر الدماء والأشلاء! ليس منّا إلا من فكّر وتدبّر، كيف ينفذ بجلده من هذا الواقع، وفي لحظات صفو منقطعة فكرنا كذلك -آحاداً- وتحت وطأة الظروف القاتلة، كيف يمكن أن نعيش؟ كيف يمكن أن نأمن أنفسنا وأهلنا وأرزاقنا وذرياتنا؟

المنطقة التي يسميها العالم الشرق الأوسط، ونسميها نحن الوطن العربي، ونتغنا بها في لحظات سهو وترفيه وربما ضحك على النفس .. بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدانِ ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا.. 🙂 (للأسف لا يمكن وضع رموز الوجوه الساخرة في هذه التدوينات!). 

هذه اللعنة.. آسف.. هذه المنطقة التي نسكنها وتسكننا لا بدّ لها من حل، فلا منطق في استمرار نزيفها وتحارب أهلها، إذا لم يكن للجيل الحالي، فللأجيال القادمة على الأقل.. لن تستقيم هذه المنطقة الملتهبة من العالم، إلّا بتوافق شركائها مُجبرين، بعد أن تنهكهم الجراحات والآلام.. ستبقى المنطقة (ملطشة) للعالم، ينفّذُ فيها سياساته الاستعمارية، ويبيع فيها سلاحه، ويسرق منها مقدراتها، طالما نحنُ أهلُها متناحرون، لا نريدُ أن نعترف بواقع عدم إمكانية إلغاء أحدنا الآخر. العرب، الفرس، الكرد، الترك، أضلاع مربع، يُراد له أن يبقى مقتتلاً متناحراً، والخاسر الأكبر هم نحن عرباً كنّا أو فرساً أو كردأً أو تركاً..

لا يبرر لأحد قتله الناس، فإيران بما تفعله في أهلنا في سوريا مذنبة، وتركيا بسياستها العرجاء وتقديمها مصالحها الذاتية مذنبة، والسعودية والعرب بتفتيهم للثوار مذنبون، والثوار بتشرذمهم واقتتالهم مذنبون. ونحن بصمتنا مذنبون.

إيران لا تقاتل في سوريا واليمن والعراق، بسبب مذهبِها فقط، بل إن الصراع أساساً هو على العِرق والإثنية.. وصدارة المنطقة.

وكذلك المسألة الكردية حاضرة وإن كانت بصورة أقل في واقعنا العربي، فيما تزيد في الواقع التركي.. وتركيا ليست عنّا ببعيدة، ففي الوقت الذي يراها البعضُ سنيّة، هي لا ترى في نفسها دينية أصلاً، والإثنيةُ التركية مقدّمةٌ عندها على أي اعتبار، فهم أتراك قبل أن يكونوا سنة أو حتى مسلمين، هكذا يقول ساستُهم على الأقل..

سيبقى كلُّ من سبق، يتكادم كتكادم الضواري -أعزكم الله- حتى تخور قواهم، فيؤمنوا (مجبرين) على أن لا إمكانية لإلغاء الآخر، ووجوب التعايش معه، خصوصاً أن هناك مشتركاً مهماً وهو الأرض والإقليم، إضافة إلى المشترك الديني لو تصافت النفوس، وخلت من الضغائن وتجاوزت الاختلافات (مرحلياً على الأقل)، حتى يتم رفع اليد الاستعمارية الغليظة عن منطقتنا.. وطننا.. إقليمنا.. حتى نتوقف عن قتل بعضنا، وكي لا يقول حكيم من حكمائنا في لحظةِ ضعف: أطالب أمريكا أن تقف وقفة لله، وكي لا يتفاخر آخر بـ(أبوعلي) بوتين عقيد الحارة الشامية!

وختاماً: ما سبق لا يبرر لأحد قتله الناس، فإيران بما تفعله في أهلنا في سوريا مذنبة، وتركيا بسياستها العرجاء وتقديمها مصالحها الذاتية مذنبة، والسعودية والعرب بتفتيهم للثوار مذنبون، والثوار بتشرذمهم واقتتالهم مذنبون. ونحن بصمتنا مذنبون أو على الأقل شياطين خُرس..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.