شعار قسم مدونات

لماذا لا نحمل السلاح؟

blogs - salfi

من الحقائق التي لا يغفلها المتابع لحراك الثورة المصرية أخطاء التحالف الوطني لدعم الشرعية والمتصدرين لقيادة المشهد الثوري وذلك على صعيد الوسائل التكتيكية والمناورة السياسية، حيث يشعر غالبية الثوار بالأداء النمطي في حالة لا تتحمل مثل هذا الأداء الرديء، بل تستدعى المبادرة والابتكار والمخاطرة "المحسوبة والمدروسة" لأن استمرار هذا الأداء الهزيل يعني مضاعفة خسائر الثورة والثوار.

هذه الخسائر التي يكمن تقليلها إن لم يكن يمكن تجنبها ووقفها تماماً، نعم الكل يشعر بالتقصير بل وبالملل وله الحق في ذلك، ولكن الأمر المزعج هو أن نتحول من "نقد" هذا الأداء في مفهومه التكتيكي ووسائله السياسية إلى "نقض" ثابت من ثوابت المرحلة ألا وهو السلمية، فكثيراً ما تتعالى الأصوات تحت وطأة الآلام والجراح وجرَّاء البطش الأمني وجرائم النظام لتطالب بحمل السلاح وبهجر السلمية كخيار للمرحلة الحالية.

الانقلاب اليوم في أضعف حالاته الشعبية والاقتصادية والسياسية، وإن الأرض جاهزة لانفجار شعبي عظيم، سيتحدد موعد شرارته بمجرد التوافق والاصطفاف ونبذ الفرقة والتناحر.

أتصور أن السبب في هذا الانحراف هي الفجوة بين اللازم والمتاح والأمثل والمأمول، وهذه هي المساحة التي يغرق فيها العقل المصري عامة والعقل الثوري خاصة فتصيبه بالارتباك، والنتيجة أننا على جميع الأصعدة كلما بدأنا خطوة إلى الأمام رجعنا خطوات إلى الخلف لنبدأ من جديد، ثم نتساءل مندهشين لماذا لا نتقدم؟

الإجابة باختصار أننا لا نتفق على الثوابت والمتغيرات و نخلط بينهما وكلما صعدنا درجتين من السلم استبطأنا النتيجة فننزل مرة أخرى لنجرب من جديد، والثابت في حالتنا يجب أن يكون السلمية، أما المتغير فهو وسائلها التي يجب أن تصبح مبتكرة ومتجددة. فتعالوا نناقش هذا الطرح القائل بترك السلمية كخيار استراتيجي لهذه المرحلة، بهدوء ودون تعصب أو تأثر بحالة نفسية عاطفية عارضة.
 

أولاً: بمقياس القوة العسكرية فإنه مهما تسلح الثوار فلن يبلغوا معشار قوة الجيش النظامي بإمكانياته وقدراته الهائلة في التسليح والقيادة العسكرية المدربة والدعم اللوجستي والاستخباراتي، وإذا تمت المواجهة في هذه الحالة يُتوقع أضعاف وأضعاف ما تشفق أنفسنا منه من خسائر في صفوف الثوار اليوم، حيث ستتحول المعركة إلى معركة إبادة بين طرفين غير متكافئين.
 

ثانياً: ستكون هذه الإبادة مشفوعةً بمبرراتها التي ستبدو حينها مستساغة للداخل والخارج، حيث يُصوَر الأمر وكأنه حرب ضد الإرهاب، فتفقد الثورة حاضنتها الشعبية، ويزيد في المقابل الدعم الداخلي والخارجي للنظام، وتدفع هذه الحالة طوائف المجتمع إلى حمل السلاح لتدافع كل طائفة عن مصالحها ووجودها فتتحول المعركة من معركة مع النظام إلى حرب أهلية.
 

ثالثاً: لعل الحالة السورية والانتصارات التي حققتها في بعض المراحل قد أغرت البعض بإمكانية عسكرة الثورة المصرية، وتناسى هذا البعض أن العسكرة في الحالة السورية لم تبدأ فعلياً إلا بعد أن انشقت مجموعات من الجيش السوري تعاطفاً مع الشعب الذي سحق، فكانت هذه المجموعات نواة للعمل المسلح، ولو بدأ الثوار السوريون المدنيون بحمل السلاح كما حدث في الحالة الجزائرية، ودون مساندة من داخل الجيش لاستطاع الجيش السوري سحقهم كما فعل الجيش الجزائري في المجموعات المسلحة التي تم عزلها عن حاضنتها والقضاء عليها.
 

يجب تقديم رؤية واضحة إلى جمهور الثورة ليتحرك على أساسها، وطرح بديل مقبول للشعب بوسائل ممكنة لا ترفع في عينه كلفة التغيير، لتصل هذه الكلفة إلى حد تهديد الوطن في أمنه ووجوده.

رابعاً: إننا خرجنا في ثورتنا لنبني دولة ولم نخرج لنهدمها أو لنجلس على أطلال ركامها، وإن التجارب المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن نهج العسكرة يحرف التغيير عن مساره الصحيح، ليصل به إلى حالة الدولة الفاشلة كما حدث في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا على سبيل المثال، وأن النظام العالمي هو المستفيد منه والمتحكم فيه، حيث أن هذا النظام هو من يملك السلاح ومنافذ بيعه وهو المتحكم في كيفية وصوله إلى مناطق النزاع ولمن يصل.

لا أبالغ لو قلت أنه أحياناً تشترى مواقف الفصائل المسلحة نظير ما يعطيهم من أسلحة، ورأينا كيف تحولت البندقية من كتف إلى كتف فأصبحت توجه إلى صدر رفقاء الثورة في حين أنها ترفق بعض بالنظام المستبد في كثير من البلدان، فتتحول هذه الفصائل بقصد أو دون قصد إلى مجرد دمى يحركها المستعمر لتنفيذ مخططه في استنزاف الوطن ومقدراته وإطالة حالة الصراع المسلح فيه لتظل له السيادة على أمة متناحرة.
 

خامساً: إن ما تقدم لا يعني الاستسلام للسلطة الغاشمة أو الانسحاب من ميدان مقاومتها، بل هو دعوة لتصحيح المسار الثوري وتوضيح أهدافه لتحديد وسائل نضاله التي تنجز وعد الثورة ببناء وطن حر قوي ينعم فيه الناس بالكرامة والحياة، مسترشدين بتجربتين سلميتين في التغيير هما التجربة التركية والتونسية.
 

سادساً: إن الانقلاب اليوم في أضعف حالاته الشعبية والاقتصادية والسياسية، وإن الأرض جاهزة لانفجار شعبي عظيم، سيتحدد موعد شرارته بمجرد التوافق والاصطفاف ونبذ الفرقة والتناحر، ثم تقديم رؤية واضحة إلى جمهور الثورة ليتحرك على أساسها، وطرح بديل مقبول للشعب بوسائل ممكنة لا ترفع في عينه كلفة التغيير، لتصل هذه الكلفة إلى حد تهديد الوطن في أمنه ووجوده.
 

أخيراً: أقول إن انتقاد الوسائل التكتيكية والتحركات الميدانية من ضرورات العمل الثوري لحسم الصراع. نعم، ولكن ذلك لا يكون إلا بعد حسم الخيارات الاستراتيجية للمرحلة وفي القلب منها مسار السلمية وتجنب حمل السلاح وللمتعجلين نقول: "إن المُنْبَتَ لا أرضاً قَطَعَ ولا ظَهراً أبقى".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.