شعار قسم مدونات

رجعيّة الحل المستورد

blogs - robot
الدراسات المنهجية عجوزٌ شمطاء تُثْقِلُ وجهها المساحيق..! والبحث السابق لأوانه في الكمّيّات والكيفيات هو مداراة للإفلاس العقلي في "اللِّماذيّات" إن صحّت التسمية.. من أجل ذلك فإن جلّ ما ندرسه في الجامعات والمعاهد اليوم لا يعدو كونه معلومات لا علما، أو أفكارا لا فكرا.

أظنها جزئيات مبثوثة هنا وهناك، مبتوتة الصلة بمقدمات تمهد للعقل أن ينسجم مع صفاته، أو نهايات وتصوّرات تفتح أفق الرؤية واضحا منداحا قدّامه نحو الحقيقة المنشودة. والنتيجة الفعلية هي أن يدمن العقل طلب ورؤية وشم ولمس النتيجة، وأن ينصِّبَ العقل نفسه امبراطورا على شتــات من الأفكار تتقاذفها زوابع المتغيرات ليتوهم نوعا من الاستقرار البنيويّ الدّاخليّ.
 
إن طرق التدريس هذه ضخمت في كلّ قزم ماردا شاردا يريد أن يفجّر العالم فكرًا أو مادّة أو كلاهما معا  كتفجير علماء أبناء العم سام لقنبلتهم الذرّيّة بعد معادلات رقميّة لرياضة العقل بحبر جاف أراق سيولا من الدماء.

لن يصل هذا العقل "المادّي" درجة الكمال الإنساني وهو يرزح في أغلال وأعباء منظومة هذا العلم الآنيّ الأنانيّ. حيث تعوّض الروح والقيم بـ "روبوت" العقل الميكانيكيّ.

ولا تَعجب إن قيل لك إن أنظمة التعليم "الحديثة" أو المعمول بها في عالمنا العربي – على اعتبار أن الحديث عندنا قد يكون حديثنا نحن فقط!- أنها إسقاط حرفيّ لمرامي ومضامين نظرية التطور: الرغبات، تقسيم استحقاق طلب العلوم على العلامات، الدرجات، التجارب، النتائج المادية الصارمة المستخلصة…

فعندما نرتحل من علوم الاجتماع أو فنون الأدب والإنسان إلى علوم الطب أو علوم الهندسة والعمران بوقود العلامات… كأننا بدارون "والعقل المادّي" يرتحل بنا من الخلية إلى القردة العليا عبر درجات أو حتى طفرات تفرضها الظروف الخارجية لا دخل للإرادة الحرة فيها.. رغم أن "دارون" نفسه أخفق في دراسة الطب فدرس اللاهوت!

 ولن يصل هذا العقل "المادّي" درجة الكمال الإنساني وهو يرزح في أغلال وأعباء منظومة هذا العلم الآنيّ الأنانيّ. حيث تعوّض الروح والقيم بـ "روبوت" العقل الميكانيكيّ المارد العابد للقواعد الحتميّة (بإذن العلم والتجربة فقط لا بإذن الله) والنُّظُم.
 
ولعله من هنا اتّسعت الهوّة بين القلب الذي يعقل العلوم والفنون لمعرفة الله وعبادته وبين العقل الذي تلجمه "مادة" العلوم والفنون -كما صدرها الغرب لنا- عن قصد الحقيقة الوجوديّة الكلّية عوض خداع الذات بتحصيل النشوة "الطفولية" في فهم بعضٍ أو كثيرٍ من الجزئيات.

لكنّني أعتقد أن البصير الذي يقلّد الضرير فيوصد عينيه في وجه النور، إنما هو أشدّ عمى وعمها منه، ذلك أن الأول إنما فقد الوسيلة والآلة الباعثة على النظر بشكل لم يفقده إرادة النظر والتأقلم مع المحيط بحثا عن مكان الانطلاق ومكان الوصول.

أمّا الثاني فإن الفساد عنده فساد إدراك ثمّ إنكارٍ للذات نتيجته فساد إرادة وانسلاخ عن الحقيقة إلى وهم يجعله يُلحق الأذى بنفسه بقدرٍ أنكى مما قد يُلحقه به غيره. ولله درّ شاعر ومفكر الإسلام "محمد إقبال" إذْ آتاه الله تلك الحكمة فقال: "التعليم هو الحامض الذي يذيب شخصية الكائن الحي ثم يكونها كما يشاء".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.