شعار قسم مدونات

حزب البيجيدي وأزمة ما بعد بنكيران

blogs - morocco

دون الإطالة في التقديم، سنحاول في الأسطر القادمة الجواب على السؤال التالي: هل سيؤثر قبول قيادات حزب العدالة والتنمية بالنذر اليسير من "الغنيمة الحكومية" وكذلك تواجد أسماء داخل الحكومة تكن العداء للحزب على مستقبل هذا الأخير مع تجاهلها شعور "الخذلان" و"الخيبة" لدى قواعد الحزب وكل من أوصله إلى المرتبة الأولى في انتخابات السابع من أكتوبر؟
 

لفهم ما آلت إليه مشاورات توزيع الحقائب الوزارية ولماذا قبلت قيادات "البيجيدي" بوزارات بعيدة التأثير على حياة المواطن وما تلاها من مشاعر السخط أو "الغضب المتفجر" و"الصدمة العارمة" حسب تعبير أحد أعضاء "البيجيدي"، يمكن الاستعانة في البداية باتجاهات كمحاولة لشرح العوامل المحددة لتشكل التحالفات الحكومية:
 

التقليل من أهمية التجاوب مع الأصوات المنزعجة و"المنتقذة" والاكتفاء بالفيسبوك كوسيلة لحل الإشكالات المطروحة هي من بين الأسباب التي ستزيد من حدة الهوة بين القيادة والقواعد.

الاتجاه الأول: هو الأقدم ويعتبر الفاعل السياسي الحزبي مجرد "لاعب" يخضع فعله لحسابات "عقلانية" إذ يكون همه الأساسي هو توسيع هامش الربح مقارنة مع باقي اللاعبين. في هذا الإطار تكون الغاية من العمل السياسي هي الوصول إلى السلطة لتحقيق مكاسب والحصول على جزء من "الكعكة الحكومية" التي تكون على شكل حقائب وزارية وغيرها من المنافع المادية.
 

الاتجاه الثاني: فيتجاوز النظرة الربحية الصرفة ويرى عكس ذلك، إن الهدف الأساسي لمختلف الفاعلين السياسيين المشاركين في أي تحالف حكومي هو السعي إلى تطبيق برامجها السياسية التي على أساسها أقنعت هذه الأخيرة الناخبين بالتصويت لصالحها في الانتخابات.
 

انطلاقاً من المعطيين السابقين يمكن تفسير نقاش ما بعد البلوكاج داخل "البيجيدي" والتفاوت في وجهات النظر بين القيادة والقاعدة من خلال عامل مهم وهو الاختلاف الحاصل في رؤى الطرفين فيما يتعلق بالأهداف المتوخاة من التحالف الحكومي.

في نظري قواعد الحزب تنظر إلى التحالف الحكومي باعتباره الطريق الكفيل ولو كان "صعباً" بتعبيرها لتحقيق واستكمال أهداف الحزب وبرنامجه السياسي. وأما فيما يخص القيادة ونخب الحزب فتعتبر ضمنياً تواجدها داخل أي تحالف حكومي بمثابة الفرصة الذهبية للفوز بمناصب وزارية تحسن عن طريقها وضعها المادي وكذلك الاعتباري داخل المجتمع، لأن السياسة كمهنة في الأنظمة السلطوية هي صراع من أجل الصعود إلى قمة الهرم المجتمعي.

هذا الأمر لا يمكننا تجاهله في السياق المغربي، إذا أخذنا بعين الاعتبار الهامش الضيق من أجل التغيير وتطبيق البرامج الخاصة بالأحزاب، حيث أن مختلف الحكومات المغربية كما أثبتت التجارب الطويلة تطبق البرامج المحددة من طرف الملك باعتباره الحاكم الفعلي.
 

من تجليات هذا التفاوت في الرؤى أو الأولويات المشار إليه سابقاً، هو ما يشهده الحزب حالياً من تذمر داخل قواعده وناخبيه جراء لهث القيادة وراء المكاسب المادية. قوة حزب العدالة والتنمية يستمدها من شعور قواعده وناخبيه بالارتباط العميق بالحزب باعتباره المرآة التي تعكس التي يؤمن بها هؤلاء. هذه القيم التي تم التركيز عليها خلال الحملة الانتخابية الأخيرة والتي تعني "نظافة اليد، محاربة التحكم ومواصلة الإصلاح واعتبار الحزب حزب مؤسسات يسمح بهامش كبير من الديمقراطية الداخلية".
 

هذه القيم يراها اليوم جزء من قواعد الحزب يتم الدوس عليها "بتجاهل" أو "تخوين" أصوات المطالبين بأجوبة على سؤال كيفية تدبير قيادة الحزب للتفاوض مع "السيد اخنوش" حول توزيع الحقائب الوزارية و"تقديمها تنازلات" في مواجهة حزب حصل تقريباً على نصف المقاعد البرلمانية التي فاز بها حزب العدالة والتنمية وهو ما تم تفسيره باعتباره "انبطاحاً".
 

ماذا يعني كل هذا بالنسبة لمستقبل حزب العدالة والتنمية؟

التطورات الأخيرة ستؤثر لا محالة على مصداقية الحزب لدى فئات عريضة ليس فقط من قواعد الحزب بل أيضاً من المتعاطفين والتي تعتبر المنبع فيما يخص الأصوات الانتخابية للحزب.

إن استمرار الحال على ما هو عليه دون فتح الحزب لنوافذ يصرف من خلالها المنزعجون عن غضبهم وصدمتهم سينتج عنه لا محالة ثلاث مخاطر قد تهدد قوة الحزب مستقبلاً.
 

أولاً: التقليل من أهمية التجاوب مع الأصوات المنزعجة و"المنتقذة" والاكتفاء بالفيسبوك كوسيلة لحل الإشكالات المطروحة هي من بين الأسباب التي ستزيد من حدة الهوة بين القيادة والقواعد.
 

ثانياً: إن كان صرح "السيد بنكيران" أمام نواب حزبه بضرورة مساندة حكومة "السيد العثماني"، فمصطلحات من قبيل "حكومة الإهانة" أو "حكومة الانبطاح" وكذلك بيان شبيبة الحزب تؤكد أن حدو القواعد سيكون مخالفاً نظرياً لما دعا إليه "بنكيران". انتقاد حكومة "العثماني" هو التجلي الواضح للتشنج والتباعد بين قيادة الحزب وقواعده.
 

ثالثاً وأخيراً: التطورات الأخيرة ستؤثر لا محالة على مصداقية الحزب لدى فئات عريضة ليس فقط من قواعد الحزب بل أيضاً من المتعاطفين والتي تعتبر المنبع فيما يخص الأصوات الانتخابية للحزب. كما أشرنا إليه سابقاً فقوة حزب العدالة والتنمية يستمدها من الارتباط العاطفي به من طرف قواعده ومسانديه، لكن هذا الارتباط بالحزب ليس حباً بدون شروط أو شيك على بياض بل هو مرتبط بعاملين أساسيين يساهمان في تقوية أو إضعاف هذا الارتباط.

العامل الأول يتعلق بمدى جاذبية والقدرة على القيادة داخل الحكومة لدى قيادات الحزب أما العامل الثاني فهو إلى أي مدى تستطيع هذه القيادة إيجاد الحلول المناسبة لمختلف الإشكاليات المطروحة سواء السياسية أو غيرها. الخلل في توفير الشرطين السابقين والتفاوت بين انتظارات الناخب وقدرة الحزب على التجارب مع هذه الانتظارات سينتج عنه بسبب الإحباط وعدم الرضا والتوجه تدريجياً إلى فك ارتباطه العاطفي بالحزب وهو ما سيؤثر لا محالة على نتائج هذا الأخير في المحطات الانتخابية القادمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.