شعار قسم مدونات

المغرب النافع

Blogs - Morocco

تشييدُ طريق في جهة فلاحية غنية أهمُّ بكثير من تشييد طريق في منطقة جبلية لفك العزلة عن ساكنة محاصرة جغرافياً. عندما يتحول منطق الدولة من بانٍ للنهضة إلى مستثمر عابر! تجد حينها مغربا نافعا وآخر غير نافع، متأسين بمسميات "ليوطي" إبان حقبة الاستعمار الفرنسي.

أغلب السكك الحديدية التي يستخدمها المغرب اليوم هي من مخلفات الاستعمار الفرنسي، سياسة كانت ناجحه لنقل خيرات البلاد بأقصى سرعة ممكنة إلى الموانئ. شيد المستعمر بنى تحتية متنوعة، ليس حبا في البلاد والعباد، وإنما لمصلحته الآنية.

مادام مستعمرا عابراً للسبيل. بعض السياسات التي تُنهج اليوم، لم تختلف كثيرا عن فكر الإقطاعية، والاستفادة المادية من كل استثمار مادام الفكر الليبيرالي يغلب على منطق المصلحة الاجتماعية والمجتمعية.

يكفي فقط أن تبتعد عن هذه المناطق بعشرات الكيلومترات لتجد ضيعات مجهزة بأحدث التقنيات وطرق معبدة ووسائل نقل عمومية تخدم الاستثمار الفلاحي في الجهة أكثر مما تخدم الإنسان.

بعد مرور رياح الربيع العربي، استبشر المغاربة خيرا من دستور سنة 2011 بعدما حمل نصوصا سيؤدي تطبيقها بالبلاد إلى مصاف الدول الصاعدة، إذا ما قارنا نصوص الحكامة الجيدة، ونصوص السياسة اللامركزية مع دساتير الدول المتقدمة.

وكما يشاع في الأوساط القانونية، أن لكل نص تأويل ولتأويله أن يطبق أو أن يُترك. وهنا مكمن الوهن عندما تجد دولة عربية تحمل في طيات قوانينها كل مضامين الديمقراطية والحداثة، لكن واقعها يوحي بتخلفها وإحصاءاتها تبرز تأخرها على كافة المستويات التنموية.

لا زالت آليات سياسة "الجهوية المتقدمة" لم تُفعّل، رغم وجود مجالس جهوية منتخبة على رأس كل جهة منن الجهات الاثنا عشر للمملكة، بعد دستور "الاستثناء المغربي" الذي كان بصيص أمل للمواطن البسيط. لا زالت هذه المجالس تنتظر خريطة الطريق ونسب التمويل من الادارة المركزية.

وهذا يراد به سياسة اللامركزية التي تشرك الفاعل المنتخب في تسيير شؤون البلاد. لكنها سياسة حبر على ورق، مادامت السياسات العمومية تركز على جذب الاستثمارات الخاصة أكثر مما تهتم بالتنمية المستدامة لهذه المناطق، باعتبارها اقطاعيات مدرة للدخل.

على سبيل المثال، نجد جهة بني ملال خنيفرة التي تتميز بثروات فلاحية ومعدنية هامة، لازالت معظم مناطقها تعاني من بُعد وغياب خدمات التمدرس والتطبيب، وإذا أخذنا الساكنة الجبلية، فالمساعدات الإنسانية في فصل الشتاء هي التي تفك عزلتها، بدل سياسة تنموية بعيدة المدى.

ويكفي فقط أن تبتعد عن هذه المناطق بعشرات الكيلومترات لتجد ضيعات مجهزة بأحدث التقنيات وطرق معبدة ووسائل نقل عمومية تخدم الاستثمار الفلاحي في الجهة أكثر مما تخدم الإنسان.

وهنا نتساءل، هل نهضة الدول المتقدمة اعتمدت على النمو الاقتصادي، مغيبة عامل التنمية البشرية، أم أن الأمم العظيمة انطلاقا من اهتمامها بالإنسان، نجحت في صقل الحضارة والعمران؟ وخير دليل أرخبيل اليابان الذي يستورد جل مواده الأولية ويصدرها بأضعف الاثمان. سلاما على مغرب نافع لعله يلتفت إلى بعضه "الغير النافع" أو المنسي…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.