شعار قسم مدونات

العدالة والتنمية التركي بين الغلبة والهيمنة

مدونات - العدالة والتنمية

في ظل اعتلاء حزب العدالة والتنمية رأس السلطة منذ عام 2002 وتحقيق الأغلبية وتشكيل الحكومة بشكل منفرد لثلاثة انتخابات برلمانية متتالية، بالإضافة إلى تعديله الدستور والذي يتضمن تغيير في طبيعة النظام بتحويله من نظامٍ برلماني إلى نظامٍ رئاسي، مما بدا وكأنه انحسار لمؤشر تداول السلطة في البلاد، وبدأ الحديث حول هل تحول النظام التركي من نظامٍ ديمقراطي إلى نظامٍ ديكتاتوري؟

النظام السياسي يتكون من مجموعة من العناصر تشكل في مجموعها طبيعة النظام فتؤثر فيه وتتأثر به، والحزب السياسي من أهم هذه العناصر داخل النظام فيؤثر فيه بل إنه في بعض الأحيان قد يشكل طبيعة النظام ويحدد علاقات السلطة بين عناصره. تتعدد المعايير في تصنيف النظم الحزبية، إلا أن هناك اتفاق على معيار أساسي يتمثل في تصنيفها إلى نظمٍ تنافسية وأخرى غير تنافسية.

التنمية الاقتصادية التي أحدثها حزب العدالة والتنمية والتي تجلت في عدة مؤشرات تمثلت في ارتفاع الليرة التركية، زيادة معدل دخل الفرد، ارتفاع قيمة الصادرات التركية إلى جانب تقدم الدولة علي المستوي الاقتصادي العالمي.

وبالنظر إلى تصنيف جيوفاني سارتوري -العالم الإيطالي- فإن الغلبة تعبر عن وجود نظام تنافسي يتسم بالتعددية الحزبية من خلال وجود أحزاب فعَالة داخل النظام تمثل ندًا للحزب الغالب مع وجود مبدأ تكافؤ الفرص، ويحصل فيها الحزب الغالب على أغلبية مقاعد البرلمان لأربعة انتخابات برلمانية متتالية في ظل توافر المناخ الديمقراطي وضمان نزاهة العملية الانتخابية.

على الرغم من فاعلية الأحزاب في نظام الحزب الغالب إلا أن تأثيرها يبدو محدودًا، فيصعب عليهم تشكيل حكومة ائتلافية بدون الحزب الغالب، محدودية التأثير هذه نابعة من عدم توافر الموارد بعيدًا عن مبدأ تكافؤ الفرص، فاحتمالية تداول السلطة متوافره وإن كانت ضعيفة. في حين أن الهيمنة -في تصنيف سارتوري- تعبر عن وجود نظام غير تنافسي، يتمثل في وجود حزب تلتف حوله عدد من الأحزاب في صورة تعددية شكلية نمطية، فهي موجودة لكن لا يسمح لها بالمنافسة، فلا يوجد في نظام الحزب المهيمن -عند سارتوري- أي مؤشر لتداول السلطة في ظل مناخ غير ديمقراطي وعدم وجود أي ضمانات لنزاهة العملية الانتخابية.

فإننا بصدد نظام ديكتاتوري لا يؤمن بتداول السلطة أو حق الشعوب في تقرير مصيرها، حتى وإن كانت في ظاهرها تقوم على التعددية الحزبية وإجراء استحقاقات انتخابية إلا أنها شكلية تشهد عزوف الناخبين عنها، ومن السهل على الحزب التغيير في نتائجها. كل نظام يعتمد على عدد من المؤشرات القابلة للقياس، فباختلاف درجة مؤشر معين يختلف التصنيف، وعليه إذا انحسر مؤشر تدول السلطة أو غاب عن العملية الانتخابية المناخ الديمقراطي بعدم وجود ضمانات لنزاهتها فإننا بصدد التحول من الغلبة إلى الهيمنة.

بنشأة حزب العدالة والتنمية في تركيا ظهر تأثيره سريعًا بدايةً من أول انتخابات برلمانية يخوضها عام 2002 وحصوله على الأغلبية، وهذا ما استمر خلال ثلاثة انتخابات برلمانية متتالية. هذا الفوز المتتالي كان نابعًا من عدة عوامل بعضها نابعًا من الحزب ذاته متمثلًا في وجود شخصيات قيادية قادرة على التأثير في الجماهير، القضايا التاريخية التي يتخذ بشأنها الحزب مواقفًا تنال رضا الجماهير، والأيدولوجية التي ينتهجها الحزب والتي شكلت وكونت شعبيته. التنمية الاقتصادية التي أحدثها الحزب والتي تجلت في عدة مؤشرات تمثلت في ارتفاع الليرة التركية، زيادة معدل دخل الفرد، ارتفاع قيمة الصادرات التركية إلى جانب تقدم الدولة علي المستوي الاقتصادي العالمي.

قدرة العدالة والتنمية على التأثير في النظام وصلت إلى التأثير في طبيعة النظام وإعادة توزيع علاقات السلطة داخله بعد التعديلات الدستورية الأخيرة في إبريل 2017 من خلال تحويل النظام التركي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي.

البعض الآخر قد يتطرق إلى عوامل نابعة من النظام الحزبي كانت بمثابة فرصًا أحسن العدالة والتنمية استغلالها وتتمثل في عدم قدرة الأحزاب الأخرى على المنافسة، والشعبية التي يحظى بها الحزب. في الانتخابات البرلمانية يونيو 2015 لم يتمكن العدالة والتنمية من الحصول علي الأغلبية التي تؤهله لتشكيل الحكومة، ولكن مع فشل الأحزاب في تكوين حكومة ائتلافية تمت إعادة الانتخابات في نوفمبر من العام ذاته وحينها تمكن العدالة والتنمية من تحقيق الأغلبية وشكل الحكومة بمفرده.

قدرة العدالة والتنمية على التأثير في النظام وصلت إلى التأثير في طبيعة النظام وإعادة توزيع علاقات السلطة داخله بعد التعديلات الدستورية الأخيرة في إبريل 2017 من خلال تحويل النظام التركي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي وهذا ما تحدث عنه سارتوري في قدرة الحزب الغالب من تغيير طبيعة النظام.

تتسم المؤشرات التي يتم من خلالها تصنيف الأنظمة الحزبية بالتغير والمرونة، وبتغيرها يتغير حكمنا على طبيعة النظام، فإذا حدث ولم يستطع العدالة والتنمية من تحقيق الأغلبية فسيتغير الحكم علي طبيعة النظام، لذلك فإن فكرة إطلاق حكم مطلق بديكتاتورية النظام من عدمه تعتبر غير دقيقة. ترك الباب مفتوحًا أمام مرونة وتغير المؤشرات وعدم إصدار حكم مطلق علي طبيعة النظام -ما رأي سارتوري- لأن التحول أمر وارد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.