شعار قسم مدونات

أهل تطاوين لا يعلمون ما يصنعون

أهالي مدينة تطاوين التونسية يواصلون اعتصام المطالبة بالتنمية

منذ فترة وجيزة اشتعلت في ولاية تطاوين احتجاجاتٌ واعتصامات سلمية مطالبة بحق أبناء الجهة في موارد النفط والغاز وبقية الثروات التي تعوم فوقها تونس. لاقت هذه الاحتجاجات قبولاً وتشجيعاً من أغلب الشارع التونسي الذي بدا في أول مراحل الغليان الإيجابي مع بدئ تبلور واكتمال الصورة لديه. هذه المرحلة الأولى هي مرحلة الوعي بأن بلادهم ليست بجمهورية موز مغضوب عليها من خالقها كما لقنوا منذ الصغر فليس من ثروة فيها إلا الزيتون والتمور وسواعد أبنائها كي تخدم السياح الأوروبيين وخواصر بناتها كي تهتز رقصاً لهم باللباس التقليدي على أنغام "المزود" لدعايتهم لتكرار زيارة تونس وربما لتطمينهم بأنهن فعلا قد تحررن.. من مجدهن.

 

تسابقت إذا هامات أبناء تطاوين وسواعدهم تقطع طرق إمداد شركات النفط والغاز وتعتصم على أبوابها ولكنهم ما إن فعلوا حتى بدأت تتردد أصداء لأصوات بينهم تتكلم عن فرنسا واحتلالها لتونس وارتباط ذلك بكذبة جمهورية الموز التونسية الفقيرة.. وهنا مربط الفرس.

احتجاجات أبناء تطاوين هذه في نظر أغلب القائمين عليها هي احتجاجات معيشية تقف فتنتهي عند ضخ الأموال في الجهة وتنشيط الاقتصاد المحلي وتشييد البنى التحتية من طرق سريعة وسكك حديد وتشغيل أبنائها وكفالة معوزيها ولكنها ليست كذلك وقطعاً لا يجب أن تكون. لا يختلف اثنان في أنه قد عانى أبناء تطاوين مثلهم مثل أبناء مدنين وقبلي وتوزر وسيدي بوزيد وقفصة والقصرين وتالة وباجة والقيروان من التهميش في توزيع الموارد والإقصاء من مراكز القرار على مدى الستة عقود الماضية مما يسمى بالاستقلال ولكن الحقيقة هي أن هذه المناطق دخلت في نطاق المؤامرة وبدأت معاناتها تلك منذ أن بدأت تلعب دورها كعمق استراتيجي لمقاومة الجيوش الفرنسية الغازية لتونس منذ العام 1881م.

 

إن أبناء تطاوين اليوم لا يخوضون معركة حقوق أو تشغيل أو تنمية جهوية بل إنهم من حيث لا يعلمون يهزون مربطاً من أهم مرابط النظام الدولي المطبق على صدورنا منذ الحرب العالمية الأولى ألا وهو مربط الهيمنة الاقتصادية

لقد استبسل كل الشعب التونسي آنذاك في الجهاد ضد الفرنسيين ولكن الأذى الأكبر لحق بهؤلاء على أيادي أبناء المناطق الداخلية ولا سيما الجنوبية منها الذين تحالف معهم طبعهم المحافظ وطقس الجنوب التونسي الصعب ليمرروا عيش المحتل ويمرغوا أنفه في تراب الصحاري والوديان. منذ ذلك الحين انتبه المحتل الفرنسي إلى وزن وخطر هذا العمق الاستراتيجي للهوية التونسية المقاومة له والكامن في جنوب ووسط البلاد والذي سواءا هو حاربه أو تركه على حاله مثل خطراً عليه وعلى مشروعه الاستئصالي للهوية التونسية فعمد إلى محاصرته وإقصائه اقتصاديا وعلمياً وسياسياً.

 

غير أن هذه السياسة الإقصائية الجائرة تجاه هذا المكون الأصيل لشعب تونس لم تنتهي بجلاء آخر الجنود الفرنسيين ببنزرت وعرض مسرحية الاستقلال الشهيرة من بطولة بورقيبة وإخراج المخابرات الفرنسية بل تواصلت وبشكل أبشع حيث أخذ الخونة المرتزقة المتفرنسون من بني جلدتنا بعد ذلك على عاتقهم هذه المهمة فأوغلوا بعد تهميش الجنوب والوسط وفي سرقة ثرواتهما ومص خيراتهما وحرمان أبنائهما وإتخام المجرم المحتل الفرنسي بهذه الثروات مقابل بعض الكراسي السياسية والامتيازات الاقتصادية والرشاوى المالية. 

إن أبناء تطاوين اليوم لا يخوضون معركة حقوق أو تشغيل أو تنمية جهوية بل إنهم من حيث لا يعلمون يهزون مربطاً من أهم مرابط النظام الدولي المطبق على صدورنا منذ الحرب العالمية الأولى ألا وهو مربط الهيمنة الاقتصادية. هذا المربط لا تكمن أهميته بالنسبة للنظام الدولي في مص خيرات الشعوب الغافلة تقريباً بلا مقابل فحسب بل إنه يمول استراتيجيته كاملة في السيطرة والتحكم في هذه الشعوب.

 

على أبناء تطاوين ألا يقبلوا بأنصاف الحلول وأن يضعوا نصب أعينهم كشف حقيقة نهب الثروات كاملة وعلى مستوى كل تونس وسيجدون كل دعم ومساندة من طرف أحرار وحرائر تونس حتى ينعم اليتيم والأرملة والمسكين في أكثر المناطق نئياً بخير أرضه

من هذا المنطلق فإن أي زعزعة لهذا المربط كالتي تحدث في تطاوين اليوم تسبب صداعاً رهيباً للقائمين على النظام الدولي خاصة في زمن العنكبوتية ومواقع تواصلها. فهنالك ألف تطاوين كتطاوين تعوم على الخيرات وتسرق في مشرق ومغرب بلاد العرب ولا يرجع منها لأهل الأرض إلا النزر اليسير والنظام الدولي اتسع عليه الخرق فهو لم يرقع بعد ربع ما خرق له في ثورات الربيع العربي.

 

هذا كله يبشر أهل تطاوين بأنه إن فشلت شيطنتهم إعلامياً وسقط الخيار الأمني أو فشل فإنهم سينالون الكثير الكثير لأن كل مستفيد سيسعى لإرضائهم وإسكاتهم. هنا سيكون على أهل تطاوين أن ينبذوا البعد الجهوي للقضية وأن يركزوا على البعد الوطني العام فلا يرضوا إلا بكامل الحقيقة والحقوق غير منقوصة لكل تونسي وألا يستجيبوا لأي تسوية دون ذلك حتى يحققوا القدوة التي بها يعم الخير.

 

على أبناء تطاوين ألا يقبلوا بأنصاف الحلول وأن يضعوا نصب أعينهم كشف حقيقة نهب الثروات كاملة وعلى مستوى كل تونس وسيجدون كل دعم ومساندة من طرف أحرار وحرائر تونس حتى ينعم اليتيم والأرملة والمسكين في أكثر المناطق نئياً بخير أرضه وأرض أجداده ويفتضح أمر كل خائن سارق فيحاسب. شكراً على هبتكم أهالي تطاوين وكما هو شعاركم: "الرخ لا" أي لا تراجع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.