شعار قسم مدونات

أمة العمائم والطرابيش والقمصان الكاروهات

blogs - عمامة
لَمْ يقل لنا صاحب المَثَل الشعبي "كُل اللي يعجبك والبس اللي يعجب الناس" ما هو ــ على وجه التحديد ــ اللّبس الذى يعجب الناس؟ وإن تركنا له متسعا من الوقت وقام بحك رأسه تَارَةً وعض أظافره تَارَةً أخرى لن يكن في مقدوره أن يقول لنا ما هي مقاييس إعجاب الناس، لأن ببساطة لا يوجد شيء يعجب الناس، كما أن هناك عوامل كثيرة تؤثر في اختيار الملابس فعادة ما ترتبط بالحياة الدينية و النفسية والاجتماعية والسياسية للشعوب.

وبالنظر إلى شعوب أمتنا السعيدة نجد أن الفرد فيها لا يجد أي غضاضة في أن يجلس واضعًا ساقا على الأخرى ليصدر أحكامه عن الآخر الذى يختلف عنه في الدين أو لون البشرة أو حتى ـــ في أبسط حق له ـــ ما يرتديه فما أسهل الاختزال! فيقيسوا مدى رجولة البعض وعفة البعض الآخر بمقاييس المادة.

فالآخر المختلف ليس مجرد مخطئ، بل شرير ومجنون وبحاجة إلى ضبط أو كبت أو قمع، فوجود الاختلاف سيجلب خصومة لا تنتهى إلا بقدوم الطوفان، عادة ما تأتى العنصرية ــ سواء لها علاقة بالملابس أو يحزنون ــ من غريزة القطيع فيقع الفرد تحت هيمنة مؤثرات الروح الجماعية من خصائص عرقية وأحكام مسبقة ورأى عام… إلخ، فالغالبية العظمى من البشر ينطبق عليهم قول الشاعر:

وللناس عادات وقد ألفوا بها لها ::: سنن يرعونها وفروض
فمن لم يعاشرهم على العرف بينهم ::: فذاك ثقيل عندهم وبغيض

لا عجب أيضًا من أن يكون لأغطية الرأس شأنًا عظيما في موروثات وتاريخ مجتمعاتنا فيوضع لها قوانين ومَن ينتقد القوانين يُعدم فترتبط بالدين من جهة ومن جهة أخرى بالحُكم الفلاني.

لذلك من الظلم أن تندرج العنصرية تحت بند كل ما هو ديني فالألمان لم يكرهوا دين اليهودي بقدر ما كرهوا أنف اليهودي المميز، فلا عجب إذن من أن صحافة الفولكيش ــ الصادرة عن حركة الفولكيش وهى نواة الأفكار النازية ــ كانت تنشر إعلانات تجارية بها وجه فتى مصحوب بتعليق يفضح عن مغزاه:

  "ستلوح الشمس بشرتك بالسُّمرة وتنقّي دمك"، ويعنى ذلك أن كمال العِرق يجد له تجسيدًا في كمال مَن يفلح الأرض وبعيدًا عن النازية نجد تلك التنميطات في المعاملات بين الأفراد العاديين حتى الآن فصاحب البشرة السمرة والشعر المجعد هو أبن البلد الأكثر رجولة وفحولة من صاحب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء الذى جاء كنتاج للاختلاط مع الأعراق الأخرى عن طريق الحروب والاستعمار وعلى النقيض فالأسمر هو أقل وسامة و صاحب العيون الزرقاء ـــ على الرغم من وسامته ـــ لابد أن يكون أقل رجولة !ولا أعلم من أين تأتى تلك التنميطات ومتى ستنتهى؟
 
ولا عجب أيضًا من أن يكون لأغطية الرأس شأنًا عظيما في موروثات وتاريخ مجتمعاتنا فيوضع لها قوانين ومَن ينتقد القوانين يُعدم فترتبط بالدين من جهة ومن جهة أخرى بالحُكم الفلاني أو نمط التفكير العلاني.

تيجان العرب العمائم!
العِمَامَة: لباس عربي ارتبط بالدين فكان رسول الله يعتم وكذلك الخلفاء الراشدون ولم يكن الخلفاء يخطبون إلا وهم متعممون والعرب يطلقون العمامة على قطعة القماش التي تُلف حول الرأس وحدها أو قطعة القماش التى تُلف عدة لفات حول الطاقية والعمامة في العادة بيضاء اللون، وقد كان العلماء يتميزون بعمائمهم الكبيرة! فيحدثنا بن بطوطة عن أحد علماء الدين(الكندي) أنه كان يعتم بعمامة خرقت المعتاد للعمائم لم أرِ في مشارق الأرض ومغاربها عمامة أعظم منها.

وهنا بيت القصيد و التابو الذى أنتقل من جيل لآخر، فمن يتكلم في الدين لابد أن يكون من أصحاب العمائم وكلما كُبرت عمامته كلما كان علمه غزيرًا، ورجل الدين الذى يرتدى قميص وبنطلون ورابطة عنق يرتديهم كعلامة تجارية للترويج أو للتقرب من فئة معينة! ضاربين بشريعة التقدم والتغييرعرض الحائط فالمظهر الخارجي فقط هو من يشغلهم لا ما يملك من علم!

العِمَامَة: لباس عربي ارتبط بالدين فكان رسول الله يعتم وكذلك الخلفاء الراشدون ولم يكن الخلفاء يخطبون إلا وهم متعممون.

وهناك واقعة طريفة تترجم مدى الاحترام والإجلال ــ المبالغ ـ اللذين حظيت بهما العمامة في مصر فيحكى لنا إدوارد لين: فقد رووا أن عالمًا سقط من فوق حماره في شارع من شوارع المدينة فتدحرجت عمامته بعيدًا عنه فتجمع المارون وأخذوا يجرون وراء العمامة صائحين ارفعوا تاج الإسلام بينما كان العالم المسكين طريح الأرض يناديهم مغتاظًا أنهضوا أولًا شيخ الإسلام!

وحتى الأندلس لم تنجِ من القوالب المُنمطة المتعلقة بالعمامة فيحدثنا المقري عن زي أهل الأندلس فذكر أن الغالب على شرق الأندلس ترك العمائم وذلك لأن شرق الأندلس تأثر بزى النصارى المجاورين لهم! على حين لا ترى ذلك في غرب الأندلس.
 
وتُعبر تلك القوالب المنمطة عن النزاع الدائم و المحتوم، إذ تكره القبائل القبائل المجاورة التي تشعر أنها مهددة منها ثم تُعلق مخاوفها عبر تمثيلها بوصفها شريرة أو دونية أو سخيفة أو جديرة بالازدراء بطريقة من الطرق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.