شعار قسم مدونات

أعز ما يطلب في وثيقة حماس

blogs حماس

لماذا أقدمت حماس على إصدار وثيقة سياسية جديدة تسطر فيها الخطوط العريضة لهويتها السياسية والمقاومة ولمواقفها الاستراتيجية والراهنة؟ وهل يمكن نعتها بالجديدة أم بالتجديدية للنظر في المواقف والرهانات والخيارات؟ وما الملامح التي يمكن التقاطها من خلال هذه الوثيقة التي تبرز الهوية الجديدة أو التجديدية لهذه الحركة المقاومة التي إضافة إلى إسهامها النوعي في مقاومة الاحتلال، كان لها الدور الكبير في مقاومة زيف اتفاقات السلام المزعومة من عهد أوسلو إلى الآن؟ إذ هي وفصائل المقاومة الفلسطينية، وقفوا سداً منيعاً أمام العمليات المتوالية لاختراق العقول والرأي العام الإقليمي والدولي بمسلسلات السلام والمفاوضات والتطبيع مع فكرة الاحتلال الصهيوني الغاشم لفلسطين.
 

أولاً، في سياق الوثيقة: 
قد تميز هذا السياق الذي أتى في خضمه الإعلان عن الوثيقة بوقائع نقدر أنها كانت عوامل دفع لهذا الإعلان، ويمكن إجمالها في التالي:
1- حلول "ترمب" رئيساً جديداً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مع ما يحمله خطابه التهديدي لمواجهة "الإرهاب"، وبالتخلي عن خيار الدولتين.
2-لقاؤه مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني، ثم مع "السيسي" ثم مع "عباس"، وهي سلسلة لقاءات قد نشتم منها رائحة الإعداد لطبخة أمريكية جديدة، ضد فصائل المقاومة بفلسطين.
3-مستجدات الوضع السوري واختيار حماس عدم تزكية مجازر نظام "بشار" ومن دعمه المرتكبة في حق الشعب السوري.
4-استمرار الحصار المفروض على غزة وأداته الرئيسة نظام "السيسي" بمصر الذي يتحكم في معبر رفح.
 

ثانياً، في الإضافة النوعية لمضامين وثيقة حماس: 

جماعة أوسلو ستقدم المزيد من التنازلات خصوصاً مع تهديد "ترمب" بالتخلي عن خيار الدولتين، وتعتزم إدارته نقل سفارتها إلى القدس.

استحضاراً لهذا السياق يمكن اعتبار وثيقة حماس نتاج قراءة معتبرة لهذا السياق، وآثاره على راهن المقاومة بفلسطين، وأهم آثاره محاولة عزل فصائل المقاومة وتقوية معسكر جماعة "أوسلو" في أفق التحضير لاتفاق جديد قسري مع فرض التخلي على مزيد من الحقوق الفلسطينية (دولة على أراضي 67 وعاصمتها القدس الشرقية، عودة اللاجئين).
 

وثيقة حماس بهذا المعنى تضمنت تجديداً نوعياً في أدبيات حركة حماس وفي مواقفها فهي:
1-أكدت على أولوية الشراكة الوطنية، التي لا تفرط في الحقوق كلياً وتحافظ على الحد الأدنى منها المحقق للتوافق الوطني المنشود، إذن جاءت لتتصدى لمخطط العزلة عبر تحييد جزء من حركة فتح وكسبه إلى صف المقاومة، مع التأكيد على الثوابت الفلسطينية (لا شرعية للاحتلال، حق العودة للاجئين، شرعية مقاومة الاحتلال،…إلخ).
2-راجعت الخلط غير الصحيح بين الصهيونية واليهودية إذ رفعت لبساً تاريخياً حول الموقف من اليهودية ديناً وخلط هذا الموقف مع الموقف من الاحتلال الصهيوني، فالصهيونية لا دين لها حسب مضمون الوثيقة، وليس كل يهودي هو صهيوني بالتبع.
3-وثيقة حماس قدمت للرأي العام ولصف المقاومة نموذجاً لتوليفة مثلى بين المبدئية والواقعية، توليفة لا تفرط في المبادئ ولا تلغي الوعي بواقع الحال.
 

ثالثاً، تساؤلات بخصوص تنزيل مضامين هذه الوثيقة:
ثمة تساؤلات مفتوحة يفرضها تحدي تنزيل مضامين وثيقة حماس ونجملها في التالي:
1-كيف سيكون التعامل مع فصائل المقاومة المتشبثة بمطلب التحرير الكامل للأراضي المحتلة بما في ذلك أراضي 48.
2-هل المرونة التي عبرت عنها الوثيقة يمكن أن تكون مفتاحاً للقبول بمسلسل تفاوضي مع الكيان الصهيوني على قاعدة الشراكة الوطنية مع فصيل حركة فتح الذي يؤمن بخيار المفاوضات كخيار استراتيجي؟
3-هل هذه الشراكة الوطنية المعبر عنها في الوثيقة قد تسمح لأصحابها بقبول امتناع المواجهة خصوصاً أن أجندة فصيل فتح وخصوصاً جناح أوسلو مرتبطة بخيارات اتفاقات السلام مع ما يفرضه من ضرورة وضع السلاح والدخول في مسلسل لامتناهي من التنازلات؟
4-ما حدود استمرار جناح حماس المقاومة "كتائب عز الدين القسام"، ومجال استهدافاتها على قاعدة مضامين هذه الوثيقة؟
 
وثيقة حماس الجديدة هي تجديدية في مضامينها خصوصاً:
-المتعلقة بالفصل ما بين الصهيونية باعتبارها حركة استعمارية عالمية، وبين دين اليهودية لاسيما أن ثمة يهود معادون للصهيونية ورافضون للاحتلال الصهيوني لفلسطين. 
-والمتعلقة أيضاً بإعلاء الوثيقة لأولوية الشراكة النضالية الوطنية التوافقية ولو في الحدود الدنيا لمطلب إزالة الاحتلال إقامة دولة فلسطينية غلى أراضي 67 وعاصمتها القدس، فهل ستحقق الوثيقة هذه الشراكة المنشودة؟ أم أن جماعة أوسلو ستقدم المزيد من التنازلات خصوصاً مع تهديد "ترمب" بالتخلي عن خيار الدولتين، وتعتزم إدارته نقل سفارتها إلى القدس، مما سيجعل الوثيقة لا تحقق غرض مضامينها في تمتين الصف الفلسطيني وإيجاد جسور لرأب الصدع بين فريق خيار المقاومة وفريق خيار المفاوضات؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.