شعار قسم مدونات

متى سنستمع للتلميذ؟

blogs - classroom
قد يأتي ذلك اليوم الذي تحصل فيها على تلك الوظيفة وعلى ذلك الدخل القار، وقد تكون محظوظا فتُمنح سيارة وسكنا بالمجان لكن ماذا بعد؟ نفس الروتين ونفس الرتابة… حياة بئيسة بعد فقدان صاحبها للكثير من الأمور أثناء فترة الدراسة.

فاجتراره للفيزياء والرياضيات جعلا منه كائنا بلا ذوق، ومضاجعته للدراسة جردته من الشعور بإنسانيته وجعلت منه آلة تتعامل بمنطق الحسابات، عملتها الأرقام الصماء ولا تفقه سوى القيام بنفس العمليات. فقاموس الإبداع يغيب ومنطق الرتابة هو الحاكم.

لقد تجرع طيلة مساره مرارة الانصياع والانضباط للنظام العام، وكون في خاطره "سكيزو فرينية" هوياتية تتصنع داخل القسم وتختار المصطلحات التي توظفها في حديثها وتكتسب المعارف بلغة أجنبية، ليجد ضالته في الشارع أو على حيطان المواقع الاجتماعية اللتان تمنحانه فرصة التعبير عن ما يدور في خلجاته دون الاكتراث لأي شيء.

لو أن نظامنا التعليمي كان يمنحنا فرصة للكشف عن ذواتنا، لصار نصف العالم العربي مبدعا. لو أكسبنا حسا نقديا وإبداعيا لكان أغلبنا أدباء وفنانون!

فتجده يكتب كلاما متزنا وعبارات رنانة سواء باللكنة المحلية أو باللغة الفصيحة؛ ما يدل على امتلاكه حسا إبداعيا ومهارة فنية، والمدرسة اللعينة بدل تأطيره ليوظف أفكاره الإبداعية في أمور نافعة، أعيته بالحفظ والاستيعاب، ما جعله يلتجئ إلى صفحات العالم الافتراضي للتعبير عن نفسه.

إن القالب الموحد الذي تحشرنا الأنظمة التعليمية التقليدية داخله يجتث الحس الإبداعي والنفس الفني لديه، فيترك الدراسة باحثا عن ما يشبع احتياجاته الروحية في مكان آخر. فضلا عن ما تفرضه من استهلاك للمعارف التي سيوظفها في حياته المهنية، فيصير بذلك مجرد مستهلك لا يستطيع الإنتاج بعد أن اُغتصب حسه النقدي.

آه يا صديقي لو أن نظامنا التعليمي كان يمنحنا فرصة للكشف عن ذواتنا، لصار نصف العالم العربي مبدعا . آه لو علمنا أمورا تنفعنا في حياتنا العامة لكان كل المواطنين صلحاء، آه لو أكسبنا حسا نقديا وإبداعيا لكان أغلبنا أدباء وفنانون.

لكن للأسف،-كما أسلفت الذكر- هو لا يتجاوز أن يجعلنا نعيش تجربة تنويم مغناطيسي جماعي، نصير بعدها عديمي الرأي وساذجي الفكر. والغريب في الأمر هو الذي يحدث في الوقت الذي تنذر فيه صافرات الإنذار بضرورات القيام بحلول استعجالية.

إذ يجلس الخبراء والأكاديميون والمختصون إلى طاولات النقاش دون أخذ رأي الضحايا -التلاميذ- بعين الاعتبار، ما يجعل من الحلول المصاغة بعد نقاشات مستفيضة مجرد حلول ترقيعية لا تكفل للتلميذ بناء شخصه وأبعاده الكبرى وأهدافه في الحياة، فيعيش بذلك داخل نفس الدوامة التي سئم منها قبل أن يحدث التغيير.

إن رصد التلميذ للمشاكل التي تعاني منها المنظومة التعلمية، كونه المادة الخام التي تشتغل عليها، يعتبر الخطوة الأولية الهامة في سيرورة البحث عن حلول حقيقية نستطيع أن نحصد نتائجها على أرض الواقع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.