شعار قسم مدونات

للأفكار أجنحة تطير بها

مدونات - هدى شعراوي
هذه الكلمة المطربة والمنسوبة لابن رشد جعلتني بعد أن وقفت عليها أتكلم عنها لبعض الأصدقاء وأجمع بعض الأشتات لأربط الكلام بعضه ببعض، وهي وإن لم يتبين لي ثبوتها عنه من عدمه عنه إلا أنها كلمة يصدقها الواقع.

إن الأفكار لا تموت بموت أصحابها أو سجنهم أو نفيهم بل ولا بإعدامهم، بل إنها تسبح وتطير في فضاء الأفكار حتى تستقر في عقول متبنيها، ولنا في أفكار وتقريرات أرسطو وهو قبل الميلاد شاهد وبرهان نجده في معتقدات بعض أبناء زمننا كمسألة تعطيل بعض الصفات عن الله التي يتبناها بعض المتكلمين الذين نفوا عن الله عدداً من الصفات وعطلوا الله عنها من باب التنزيه تعالى الله عن قولهم.

وما ذاك إلا بسبب تلوث أفكارهم بما قرره أرسطو في معنى الإله عنده حينما قال: (أن كل متحرك لابد له من محرك وكل محرك لابد له من محرك وهكذا دواليك والمحرك الأول لا يتحرك، فهو يمد بالحركة كل ما عداه وهو منزه عنها) وبهذا التقرير عطل الإله عن صفاته وأخذ بهذا التقرير المتكلمون فعطلوا الله عن صفاتها وكما قيل إن للأفكار أجنحة تطير بها.

دعا طهطاوي إلى تحرير المرأة، لكن العلماء والناس وقفوا له بالمرصاد فلم ينجح وأصبحت دعوته شبه ميتة، وأتى بعده قاسم أمين لكنه جاء وقد كان البناء الاجتماعي بدأ يتغير، وبدأ التفسخ والانحلال ينتشر.

ولنا في أفكار وتنصيصات علماء المسلمين ما يوصلنا للظن الغالب فقد قال الأستاذ أحمد سالم مرة أن الفتاوى التي تسمى بالفتاوى الميتة قليلة جدا، ومن تلك الفتاوى فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مسألة الطلاق التي كانت شبه ميتة لمئات السنين حينما منع انتشارها بأمر السلطان بعد منع ابن تيمية أن يفتي بها وأمره بسجنه، ثم إذا بها الفتوى المعتمدة اليوم في فتاوى كثير من العلماء بل ويعول عليها الكثير من القضاة في المحاكم، ولكن كما قيل إن للأفكار أجنحة تطير بها.

وعلينا أن نعرف أمرا مهما وهو أن التغيرات في الظواهر الاجتماعية تغيرات بطيئة ولنا في دعوة رفاعة طهطاوي وبعده قاسم أمين وهدى شعراوي عبرة وتبيين لعلنا نصل بها لليقين فقد دعا طهطاوي إلى تحرير المرأة، لكن العلماء والناس وقفوا له بالمرصاد فلم ينجح وأصبحت دعوته شبه ميتة، وأتى بعده قاسم أمين لكنه جاء وقد كان البناء الاجتماعي بدأ يتغير، وبدأ التفسخ والانحلال ينتشر.

فلما وجد قاسم أمين ذلك قام ببث سمومه بمساعدة وحماية سعد زغلول، وها هي أفكار الطهطاوي وقاسم أمين وصلت بلاد الحرمين حيث شاهدنا من ينتسب للدعوة يدعو لتحرر المرأة بل ويخرج زوجته كاشفة وجهها ليثبت أنه يفعل ما يقول، ورأينا ذاك الوزير الذي يجعل الترفيه مركباّ يمتطى حتى يصل لأهدافه فتقام البرامج الترفيهية الإفسادية للأخلاق والقيم والتي تخالف النظام الأساسي للحكم.

بل وتخالف فتاوى رئيس هيئة كبار العُلَماء، ثم يرصعها الوزير المحترم بما نقل عنه في عدد من الصحف لمن يرفض السينما بقوله: "يمكن للمحافظين البقاء في منازلهم" هذه الكلمة أرى أنها وسام على صدر كل مصلح شريف يحب دينه ووطنه وأبناء هذا البلد، ومثل ذاك الذي فعلته هدى شعراوي ما تفعله بعضهن من نزع لحجابها مع يقيني أن بعضهن لم يسمعن عن هدى هذه ولا يعرفن ما قصتها ولكن كما قيل إن للأفكار أجنحة تطير بها.

كثير مما تحمله أنت هي أفكار طارت بها أجنحة الفكر من رؤوس أصحابها لتستقر في عقلك اللاواعي ثم مع حفريات الزمن أصبحت عقيدة عندك تؤمن بها بل وتدافع عنها دون علم منك أنها ليست من بُنيات فكرك.

ولنا في مصطفي كمال أتاتورك الذي دعا الأتراك أن يأخذوا من الغربيين كل شيء حتى الديدان التي هي في بطونهم!! ثم ما قاله نفس الوزير السابق لصحيفة رويترز: "أن هدفه هو توفير ترفيه يشبه بنسبة 99 في المئة ما يحدث في لندن ونيويورك!!" ، لكن عليك أن تحسن الظن في تصريحه ؛ لأن هناك 1٪‏ وفق الضوابط الشرعية فما أشبه التصريحين رغم بعد الزمانين؟!

ولكن كما قيل إن للأفكار أجنحة تطير بها، إن كنت تظن أن الأفكار التي يرميها بعضهم علينا في برامج التواصل الاجتماعي، والإعلام، وجلسات الناس عامة كانت أو خاصة مجرد أفكار لن تؤثر في أفكارك فإن ذاك وهم لابد لك أن تزيله من رأسك؛ لأن كثيرا مما تحمله أنت يامن تقرأ حروفي هي أفكار طارت بها أجنحة الفكر من رؤوس أصحابها لتستقر في عقلك اللاواعي ثم مع حفريات الزمن أصبحت عقيدة عندك تؤمن بها بل وتدافع عنها دون علم منك أنها ليست من بُنيات فكرك.

وهذا الأمر يجعلني أنبهك لأمر نحتاجه كثيراََ في زمننا هذا الذي كثرت فيه الأفكار في شتى المجالات المعرفية ألا وهو تفعيل التفكير الناقد، والتحليل للآراء بعد تفكيكها حتى لا تنطلي عليك الأفكار المتلبسة بلباس -وفق الضوابط الشرعية أو وفق الشريعة الإسلامية-، أو غيرها من الأقنعة المزيفة لتمرير تلك الأفكار المغشوشة تغريبية كانت أم تمييعية أم تشددية.. إلخ. وتذكر ما قيل لك في العنوان "أن للأفكار أجنحة تطير بها".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.